إذا سلم الحال يفداك المال
يبدو أن أزمات منطقتنا العربية كتب لها الدوام والاستمرار، فلا تخرج البلاد العربية ودولها من أزمة إلا ودخلت بأختها، وإذا كانت الثلاثون سنة الماضية هي أقوى ما واجه العرب
يبدو أن أزمات منطقتنا العربية كتب لها الدوام والاستمرار، فلا تخرج البلاد العربية ودولها من أزمة إلا ودخلت بأختها، وإذا كانت الثلاثون سنة الماضية هي أقوى ما واجه العرب
الثلاثاء - 08 يوليو 2014
Tue - 08 Jul 2014
يبدو أن أزمات منطقتنا العربية كتب لها الدوام والاستمرار، فلا تخرج البلاد العربية ودولها من أزمة إلا ودخلت بأختها، وإذا كانت الثلاثون سنة الماضية هي أقوى ما واجه العرب من مخاطر وتحديات بشكل عام، وواجهت دول الخليج بشكل خاص إلا أن منطقة الخليج كانت تخرج من كل أزمة حدثت بأقل الخسائر لأسباب كثيرة محلية وإقليمية ودولية، فمن الجانب المحلي ما زالت شعوب المنطقة في لحمة مجتمعية متماسكة لا تعرف التشعب والاختلاف والتنازع الذي قد يقود إلى شيء من عدم الاستقرار الداخلي، مع موروث مكين من الصلة ذات البعد التاريخي بين الأسر الحاكمة ومجتمعاتهم القليلة في الماضي، مع اعتبار الوضع الاقتصادي الذي يضفي حالة من الاستقرار والرضا إلى حد بعيد، وهو أي العامل الاقتصادي سبب مهم في تجاوز تلك الأزمات والنجاة من الكوارث التي واجهت مجتمع الخليج في السنين الأخيرة سواء كانت تلك المشكلات داخلية أو خارجية حيث كان الوضع الاقتصادي الممتاز للخليج هو المنقذ. وإن كان ذلك على حساب تنميته ورفاهية أبنائه ولكن على رأي المثل (إذا سلم الحال يفداك المال) فمنذ حرب العراق وإيران الأولى، وحرب العراق واحتلاله للكويت وما تبع ذلك من حرب عالمية على الإرهاب، والمال هو السلاح الذي تواجه به دول الخليج التحديات الكبرى، واستطاعت أن تسهم مع العالم في مواجهة المخاطر بما توفر من المال الذي يدرأ عنها بعض ما تثيره الأحداث حولها، وما زال المال هو السلاح الذي تعتمد عليه وتواجه به ما يتهدد مستقبلها من أحداث.
في الجانب الإقليمي نجحت دول الخليج قبل أحداث الربيع العربي بعلاقات مستقرة وجيدة على كل المستويات في محيطها الإقليمي ولم تدخل في نزاعات مباشرة ولا كانت طرفا مباشرا فيما يحدث من قلاقل في المحيط الإقليمي الملتهب، وقد أكسبها حيادها في الماضي عدم تدخل المحيط الإقليمي في شؤونها، وجنبها المشكلات مع جيرانها وذلك عامل مهم للغاية جعلها في مأمن إلى حد بعيد من الفتن والحروب الدائرة حولها. وفي البعد العالمي فإن العالم كله يرى أن استقرار الخليج أمر في غاية الأهمية لموقعه الجغرافي ولما يملك من ثروة البترول الذي ما زال العالم في حاجة إليه، وهذا عامل ثالث منح الخليج مزيدا من الاستقرار مع أهمية العلاقات المتميزة والمنافع المتبادلة بين حكام الخليج والدول الغربية الكبرى ذات البعد الاستراتيجي لكلا الطرفين. هذا كله حال الخليج في الماضي أي حتى ثورة الربيع العربي. فما حاله اليوم؟
لم تستطع دول الخليج في الراهن الحاضر الحياد فيما حدث في الوطن العربي من ثورات كما كانت تفعل من قبل، والمؤسف أن مواقفها تباينت واختلفت عما كانت تحاوله في الماضي من ظاهر التوافق، فانقسمت حول ما يحدث في هذه الثورات وتوجهاتها وأيديلوجياتها المعلنة والخفية، وأظهر حلفاؤها الغربيون برودا نحو المواقف والأحداث التي تمر بها المنطقة، ولم تكن مواقفهم متفقة مع مواقف حلفائهم في الخليج في كل الأحوال.
ولم يعد أمام قادة الخليج اليوم إلا الاعتماد على أنفسهم وشعوبهم والالتفات لمصالحهم ليكون شأنهم بأيديهم وأمنهم مسؤوليتهم، والبدء الحقيقي في الإصلاح الذي ينتظره مجتمعهم، وتحقيق شروط المواطنة، وتكريس مفهومها على أرض الواقع حيث يدرك الجميع أنهم شركاء حقيقيون في مستقبل أفضل.
إن الرهان على الداخل وعلى خطوات الإصلاح أهم بكثير من الرهان على الآخرين مهما كانت قوة العلاقات والمصالح الدولية، فهي متغيرة متقلبة والثابت هو الوطن وأهله.