إلى غازي القصيبي: أزيز ذباب "الدواعش" على الخريطة العربية!

لم يشهد الراحل الأديب المفعم بالوطنية إلى أعماقه، الدكتور غازي القصيبي، الأزمة الأمنية العربية التي تعاني منها دول المنطقة،

لم يشهد الراحل الأديب المفعم بالوطنية إلى أعماقه، الدكتور غازي القصيبي، الأزمة الأمنية العربية التي تعاني منها دول المنطقة،

الأحد - 29 يونيو 2014

Sun - 29 Jun 2014



لم يشهد الراحل الأديب المفعم بالوطنية إلى أعماقه، الدكتور غازي القصيبي، الأزمة الأمنية العربية التي تعاني منها دول المنطقة، إلا أن موته في مثل هذا الأسبوع من رمضان وجهاده الأدبي الباسل بالقلم في صحيفة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج يجعل حضوره الروحي الوطني العروبي الأدبي الثقافي المؤثر على المشهد الحالي طاغيا. تصدير الفوضى الخلاقة بزعامة منظمات إرهابية، مثل داعش، مدعومة من قبل إيران ودول أخرى عبر الحدود العراقية إلى السعودية أمر متوقع وغير مفاجئ للسعودية، فالاضطراب الأمني على الحدود السعودية العراقية منذ الغزو العراقي للكويت، وإلى اللحظة الراهنة، أعطى السعودية خبرة أمنية عميقة في كيفية حماية الحدود وفق خطط أمنية نوعية ومتقدمة، وأفاد المملكة بتطوير قدراتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية لمواجهة محاولات الاختراقات الأمنية والتسلل إلى داخل الأراضي السعودية وضبط عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات والمطلوبين أمنيا والعملاء وإفشال كل تلك المحاولات.

إلا أن الاضطراب الأمني الحاصل الآن تختلف طبيعته عما كانت عليه في حرب الخليج، وإن كان العامل المشترك هو محاولة حكام العراق إسقاط فشلهم الرئاسي على السعودية ومحاولة استعدائها والتحريض عليها، ومن ثم فإن التحذيرات التي ستضعها قوات الأمن في الحسبان تزداد ضعفا عما سبق من وجهة نظري. فرضيتي الأولى أنه قد تقتصر المواجهة الأمنية الآن مع مجرد محاولات تسلل الميليشيات الإرهابية، والميلشيات لا قوة لها بمواجهة الجيش النظامي إلا في حالة انهزامية الدولة من الداخل وهذا أمر مستبعد على السعودية وشعبها بسبب التعايش السلمي بين الحكومة والمواطنين والقيم الدينية والأصالة الأخلاقية العربية التي يؤمن بها الشعب، تسنده في ذلك تركيبته القبلية وأخلاقها في الحرب والسلم والمعاهدات وما يتعلق بتاريخ القبائل من إرث وقيم تفاخر بها عبر القرون، فضلا عن استتباب الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي والتنموي على كافة الأصعدة، وارتفاع مستوى التعليم وارتفاع الوعي لدى المواطن السعودي عما يدور حوله على رحى الطحن السياسي المتأججة في دول المنطقة، ولأن نجاح الميليشيات، أساسا، رهن الضعف الأمني والعسكري للدولة المستهدفة، كما أن الميليشيات غير مؤهلة وليست لديها الكفاءة الكافية للمواجهة في ساحات الحرب العسكرية المتمرسة.

أما فرضيتي الثانية في قراءة مشهد الاضطراب الأمني وانحداره المفاجئ في العراق أن الاستسلام المفاجئ للجيش العراقي وضعفه أمام ادعاءات اختراق الميليشيات يدعو لتبني فرضية ضعيفة إلى حد ما ولكنها تخطر على البال، ما إذا قرأنا التاريخ الأمني المليء بالمناوشات على الحدود السعودية مع أكثر دولتين تتناوبان على الإزعاج الحدودي وهما اليمن والعراق. هذه الفرضية تعتمد على تخمين أن استسلام الجيش للمليشيات الإرهابية خدعة إعلامية ليكون العذر الرئيسي لحشد جيش نظامي مخادع في الهوية القتالية (جيش عراقي تحت راية ميليشيا إرهابية).

ميليشيات وفيالق إيران القادمة من طهران في صلب الجيش العراقي الحالي وتشكيل ميليشيات داعش وجبهة النصرة وشبيهاتها في سوريا أمر طبيعي جدا حصل بسبب تداعي المناعة الأمنية الوطنية في تلك الدول ثم نتيجة لنسف كل الجهود الدبلوماسية والسياسية التي قامت بها المملكة مسبقا من أجل استقرار البلدين العربيين، وهو ما يزال يكلف المملكة حمل الملفات السياسية لهذه الدول على الصعيد الإقليمي والدولي لإنجاح عمليات السلام والاستقرار الأمني المحلي لها.

عرقلة جهود المملكة لمساعدة سوريا والعراق من أجل استقرارهما، قابلها نجاحها في إنقاذ جمهورية مصر من اندلاع الفوضى السياسية بعد رئاسة «الإخوان» والذي كاد يؤهل مصر إلى الانقسام لأقاليم متناثرة على أساس الصراعات الدينية بين المسلمين والأقباط، فضلا عن التنازل عن أراض مصرية مثل حلايب في الجنوب وضمها إلى السودان، وضم سيناء إلى فلسطين لتكون وطنا بديلا لمهجري فلسطين.

منذ أن بدأت شرارة الربيع العربي والمنطقة العربية في اشتعال سياسي لا ينطفئ وهجه، والحقيقة أن الربيع العربي لم يستهل تشعبه إلا بعد تبعثر السودان إلى دولتين بعد نجاح فكرة أسلمة الصراع داخل الشعب السوداني، سندته في ذلك عوامل أهمها تفشي الجهل وتأخر الحكومة السودانية كثيرا في تطوير وتنمية مناطق الدولة بشكل متكافئ، ليتنحى السودان عن زعامته على الخريطة العربية كأكبر دولة عربية في المساحة. فكرة العروبية كانت ولا تزال صمام الأمان لتماسك الدول العربية بعد تفتت الإمبراطورية العثمانية التركية، إلا أن الاستقرار العربي لن يكتب له الاستقرار طالما ظلت المنطقة العربية بين وطأة سندان التمدد الإيراني ومطرقة الطمع التركي.