فهد الحازمي

من المهد إلى اللحد

السبت - 22 أكتوبر 2016

Sat - 22 Oct 2016

ينقل عن مارك توين – بتصرف - قوله «لا تدع التعليم (المدرسي) يشغلك عن التعلم»، والقصد من وراء هذه المقولة هي أن التعليم كفكرة أكبر بكثير من طالب يجلس أمام معلم يتلو عليه منهجا ما. خصوصا في الزمن الحاضر حيث تنتهي صلاحية المعلومات -كما تنتهي صلاحية المنتجات- خلال سنين قليلة بفضل تراكم العلوم وتضاعف المعرفة.



أحد المدراء التنفيذيين في عملاق الانترنت قوقل صرح في 2013 أن الشركة لا تنظر في المعدل التراكمي GPA أو إلى درجات الاختبارات بل في الحقيقة أن عددا كبيرا من موظفي الشركة - يتزايد باستمرار مع الوقت - لم يتخرجوا من جامعات أساسا حيث تصل النسبة إلى 14% في بعض فرق العمل. السبب وراء ذلك هو انعدام أي ترابط بين المعدل التراكمي (أو درجات الجامعات) وبين الأداء الوظيفي.



ذات الأمر في الحقيقة ينطبق حتى في عالم الأبحاث حيث لا علاقة بين درجات الاختبارات أو المعدل التراكمي وبين الإنتاجية البحثية. هناك عدة أسباب قد تفسر انعدام الترابط: الأول يعود إلى أن المهارات التي يتعلمها المرء في الجامعة مختلفة تماما عن المهارات المطلوبة للنجاح الوظيفي لاحقا خصوصا على المدى الطويل.



سبب آخر يعود إلى حقيقة أن الناس تتغير وتتطور بمجرد تغير البيئة التي يعيشون فيها. فكما يقال «أنت متوسط أكثر 5 أشخاص تحتك معهم». سبب ثالث يعود إلى أن البيئة الأكاديمية ضيقة والنجاح فيها لا يعني بالضرورة ضمانة للنجاح في عالم ما وراء الأكاديميا حيث لا يوجد تصحيح ولا اختبارات ولا نماذج أجوبة لمسائل الكتاب. وهنا تأتي قصص أولئك الذين نجحوا في خوض غمار عالم الأعمال والشركات من غير أن يكون لديهم شهادات جامعية أو كانت درجاتهم الجامعية ضعيفة أو عادية.



التعلم إذن غير مرتبط بالنجاح في هذه البيئات الشكلية، وهنا نبقى مع سؤال حاسم ألا وهو كيف نتعلم إذن؟



برأيي هناك خمسة مصادر للتعلم الفعال.



المصدر الأول يأتي من خزانة التجربة الحياتية. حين تتسع تجاربك ومغامراتك تتسع معها المدارك كذلك وتصبح كل هذه التجارب مصدرا حيا نابضا لكل المحطات القادمة.



المصدر الثاني هو القراءة الحرة غير المنهجية فبالقراءة الحرة يستطيع المرء أن يزيد من خزنة مفرداته ومع زيادة المخزون اللغوي ينتعش الخيال والتفكير.



المصدر الثالث يكمن في ممارسة المهارات اليدوية. اكتشاف المهارات لدينا متروك لمحاسن الصدفة. في أغلب الأحوال يصل المرء إلى المرحلة الجامعية ويتخرج منها دون أن يتقن مهارة ما خارجة عن مجال دراسته وتعليمه. إتقان مهارة ما -خصوصا تلك المهارات اليدوية- مهم للغاية على المستوى الجسدي والذهني على حد سواء وذلك لأنه جزء لا يتجزأ من النمو.



المصدر الرابع هو الإنتاج والبذل. والسبب في كون الإنتاج أحد مصادر التعلم يعود لما في الأثر -بتصرف- «نادى العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل». هذا الشكل من التعلم ما زال الأصعب وذلك لما يتطلبه من عمل شاق ومضن يتجاوز «تلقي» المعرفة السلبي بمراحل. المصدر الأخير للتعلم برأيي هو العلاقات الشخصية. قد يبدو غريبا وضع العلاقات ضمن إحدى مصادر التعلم لكن الواقع أنها قد تختصر عليك الكثير والكثير إن توفرت لك العلاقات الصحيحة.



السر وراء الأثر الجبار للعلاقات -سواء في التعلم أو في النجاح عموما- يكمن في توفير الدعم الاجتماعي والمهني وذلك بالاستفادة من مخزون الخبرات المهنية التي لا يكترث لتدوينها أحد. وباختصار شديد لا شيء يغنيك عن التعلم المستمر من المهد إلى اللحد. وربما للحديث بقية.



مصادر التعلم الفعال



1 التجربة الحياتية



2 القراءة الحرة غير المنهجية



3 ممارسة المهارات اليدوية



4 الإنتاج والبذل



5 العلاقات الشخصية



[email protected]