طالبان والصفقة
كان مثيرا قبول الولايات المتحدة لصفقة الإفراج عن الجندي الأمريكي مقابل خمسة من قادة حركة طالبان الأسبوع الماضي،
كان مثيرا قبول الولايات المتحدة لصفقة الإفراج عن الجندي الأمريكي مقابل خمسة من قادة حركة طالبان الأسبوع الماضي،
السبت - 07 يونيو 2014
Sat - 07 Jun 2014
كان مثيرا قبول الولايات المتحدة لصفقة الإفراج عن الجندي الأمريكي مقابل خمسة من قادة حركة طالبان الأسبوع الماضي، فقد أعاد نجاح الصفقة الرؤية لعدة أمور تبدو معلقة حول أفغانستان، ومعتقل جوانتانامو، والحرب على الإرهاب. تمت عملية التبادل بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التفاوضات غير المعلنة، أثارت العملية في الداخل الأمريكي نقاشات كثيرة وجدلا ساخنا، واعتبرها البعض سابقة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية التي رفضت التفاوض مع حركات مشابهة، ويرى بعض الجمهوريين أن التحاور مع طالبان خيانة لذكرى قتلى 11 سبتمبر، وسابقة مقلقة، وقد تعتبر تفاوضا مع إرهابيين.
بالنسبة لحركة طالبان تبدو مكاسب الصفقة أكبر من مجرد إخراج خمسة من قادتها من معتقل جوانتانامو، حيث ستحقق لها هذه العملية حضورا معنويا في الساحة الأفغانية، وبالتأكيد تدرك الولايات المتحدة ماذا سيترتب عليها من تأثير في المشهد الأفغاني، ولهذا أدانت الحكومة الأفغانية الصفقة حيث لم تبلغ عنها إلا بعد إتمامها، ووصفتها بأنها انتهاك للقانون الدولي، وهي تعبر بوضوح عن جدية أمريكا في استمرار محاولاتها السابقة للحوار مع الحركة، وقد أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأمريكي بأنها أجرت محادثات مع طالبان سابقا، إلا أن تلك المحادثات توقفت في 2012م، وأن هذه الصفقة ربما تكون فرصة جديدة يمكن أن تسفر عن اتفاق. طالبان تحاول أن تستبعد الربط بين الصفقة وكأنها بادرة حسن نية لمحادثات سلام مع الحكومة الأفغانية.
لا يزال البعض لا يفرق بين طبيعة حركة طالبان منذ نشأتها التي هي جزء من نسيج المجتمع الأفغاني وبين وحركات العنف الأخرى التي ورطت هذه الحركة المحدودة في وعيها السياسي، وكانت سببا في سقوطها ونهاية تجربتها في السلطة، فالحركة يصعب تبخيرها في الفضاء الأفغاني فهي جزء من الشعب وليست مجرد حركة وافدة.
زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر وصف الصفقة بأنها “نصر عظيم”، لكن ما يفسد هذا الشعور بالنصر لدى أنصار الحركة دون أن يصرحوا بذلك هي أن الظروف الغامضة التي أحاطت بوقوع الجندي بالأسر لا تشير إلى عملية خطف خاصة مخطط لها، فقد قيل بأنه فر من الجيش ووقع بالأسر بعد يومين، وقال عدد من زملاء الجندي إنه أعلن سابقا رغبته في التخلي عن جنسيته الأمريكية في رسالة تركها بخيمته قبل اختفائه، وذلك من أجل بدء حياة جديدة، وإنه ليست المرة الأولى التي يختفي فيها الرقيب الأمريكي من قاعدته، مع شكوك تدور حول محاولته الاتصال بحركة طالبان أكثر من مرة. وقالت مصادر إنه كان يرسل رسائل إلكترونية إلى والديه يتذمر فيها من كونه أمريكيا، وعدم رضاه عن أداء الجيش الأمريكي. ولهذا عندما أعلن وزير الدفاع الأمريكي هيغل خبر الصفقة أمام زملائه الجنود في قاعدتهم شمال كابل كان هناك وجوم، ولم يحدث صياح وفرح.
وبالرغم من هذه الظروف الغامضة حول تصرفات الجندي، واعتراضات الجمهوريين فإن القرار يبدو جريئا ومثيرا يعبر عن شيء آخر يفوق مخيلة ذهنية السياسي العربي وبعض منظريها، والذين تنخفض لديهم قيمة الفرد ليبدو مجرد صفرا في الفضاء السياسي، فمع الكلفة المعنوية لهذه الصفقة سياسيا على أقوى دولة في عالم اليوم إلا أنها تشعر الآخرين من مواطنيها وفي العالم بقيمة الفرد في دولته، وقد علق أوباما على هذا بأن للولايات المتحدة عرفا مقدسا بألا تترك جنودها يقبعون في الأسر.
من الناحية الميدانية توقع البعض بأن هذه الصفقة قد تشجع على عمليات أخرى، فتصبح الكثير من الدول التي لديها معركة مع الإرهاب أهدافا مغرية بعمليات خطف مماثلة، والواقع أن عملية الخطف ليست فكرة مجهولة عند هذه الحركات وغيرها، وليست ابتكارا جديدا، أو خيارا يغفل عنه أي تنظيم.. مع كثرة وجودها في الأفلام السينمائية، فالخطف فكرة حاضرة دائما عند أي جماعة في كل مرحلة، تبدو المشكلة عمليا في مدى نجاحها، ولأن احتمال نجاحها صعب، فإن حركات العنف تلجأ للقتل والتفجير فهو الخيار الأسهل والأسرع في تحقيق هدفه، وعندما ضعفت احتمالات النجاح في التفجيرات بسبب الاحتياطات التي تقوم بها الدول والحكومات.. أصبحت العمليات الانتحارية هي الخيار المفضل لضمان نجاح العمليات النوعية والكبيرة.