محمد العوفي

ماذا يعني تأخير مستحقات القطاع الخاص؟

الخميس - 13 أكتوبر 2016

Thu - 13 Oct 2016

القرارات الاقتصادية الأخيرة جميعها اتجهت نحو تقليص العجز المالي في الميزانية على حساب معطيات اقتصادية تعد شريانا رئيسا في النمو الاقتصادي والتنمية، منها تأخير الدفعات المستحقة للقطاع الخاص (قطاع المقاولات تحديدا)، لذلك بدأت ملامح الوهن والضعف تدب في القطاع الخاص، بدءا من التوقف عن دفع رواتب الموظفين والعاملين، ومرورا بتسريح البعض منهم، وانتهاء بتوقف بعض المشاريع لعجز بعض المقاولين عن توفير السيولة اللازمة لتمويل احتياجاتها.



كلنا نعرف أن القطاع الخاص لدينا غير منتج، وأنه قطاع يعتمد في نموه وتوسعه على الإنفاق الحكومي، وبالتالي فإنه لا يستطيع الاستمرار والمقاومة بدون إنفاق الحكومة ومشاريعها، ومع تأخير الدفعات المستحقة له، وإلغاء مشروعات حكومية تقدر قيمتها بحدود 20 مليار دولار، فإنه لن يكون بأحسن حال، ومع توجه الحكومة نحو تخفيض إنفاقها الرأسمالي بنسبة 71% إلى 75.8 مليار ريال في عام 2016، مقارنة مع 263.7 مليار ريال في عام 2015، حسبما توقعت نشرة إصدار السندات السيادية الدولية التي أعلنت الأربعاء الماضي سيزداد حجم الصعوبات التي يمر القطاع الخاص بها، وما ينتظره في حال امتد ذلك الخفض إلى السنوات التالية، وكل ذلك يعني أنه لن يكون قادرا على خلق وظائف جديدة، بما يشكل تحديا آخر للحكومة ولا سيما أن خطة التحول الوطني 2020، ورؤية السعودية 2030 تعولان كثيرا على القطاع الخاص في توليد وخلق الفرص الوظيفية للمواطنين.



جزء من الحقيقة - رغم صعوبة ذلك نفسيا - يتمثل في الاعتراف بالصعوبات التي ستواجه الحكومة في تنفيذ رؤيتها المتعلقة بقدرة القطاع الخاص على خلق وظائف ذات عوائد مجزية بناء على المعطيات المالية الحالية والصورة الحقيقية للقطاع الخاص التي نعرفها، لكننا نغيبها عمدا أو تجاهلا.



ومع توجه الحكومة نحو خفض بند الرواتب والبدلات في الميزانية مستقبلا، من خلال اللجوء إلى خصخصة عدد من القطاعات الحكومية ونقل موظفي هذه القطاعات إلى الشركات التي سيتم تأسيسها لهذا الغرض، والحد من التوظيف في القطاع الحكومي في السنوات القادمة للحد من الترهل الوظيفي في القطاعات الحكومية، ستكون الحاجة للقطاع الخاص أكبر، وتحديات التوظيف أكبر وأصعب.



كما أن تواضع مستوى النمو الاقتصادي في هذا العام، وتراجعه ليبلغ نحو 1.2% حسب تقديرات صندوق النقد الدولي الأخيرة، سيزيدان من الضغوط على قدرة الاقتصاد بشكل عام، لأن هذه المستويات المتواضعة من النمو تضعف معها قدرة الاقتصاد على خلق فرص وظيفية جديدة كافية لمواجهة الطلب المستقبلي، ولا سيما أن هناك علاقة قوية وطردية بين النمو الاقتصادي وقدرة الاقتصاد على خلق الوظائف وتوليدها.



بالتأكيد تملك الحكومة خيارات أخرى قد تعزز فيها فرص التوظيف في القطاع الخاص مستقبلا، منها جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لتسهم في خلق فرص وظيفية، وهو خيار جيد إلى حد ما وفي ظل ظروف معينة، لكن الاستثمارات الأجنبية لم ولن تكون يوما ما بديلا ناجحا عن التوظيف في القطاع الخاص المحلي، فالإحصاءات الرسمية في أسواق العمل في جميع دول العالم تشير إلى أن الكفة دائما تميل لصالح القطاع الخاص المحلي، علاوة على أن الاستثمارات الأجنبية عادة ما تكون انتقائية وستختار قطاعات ذات علاقة بالبترول والمعادن وما شابههما.



أخلص مما سبق إلى أن تقليص العجز في الميزانية العامة - حتى وإن كان حسنا وضروريا - يفترض ألا يؤثر على المعطيات الاقتصادية الرئيسة، كنمو القطاع الخاص، وقدرته على خلق فرص وظيفية جديدة ذات عوائد مجزية، لأن ذلك التأثير حتى لو كان موقتا سيخلق مزيدا من التحديات في تحقيق رؤية السعودية 2030.



[email protected]