بين التربية والتعليم
ما من شك في أن التربية تعد أساسا علميا واجتماعيا في بناء الشخصية الإنسانية لذا انبرى لها الفلاسفة والحكماء وعنيت بها الشرائع السماوية وأفردت لها مساحات كبيرة.
ما من شك في أن التربية تعد أساسا علميا واجتماعيا في بناء الشخصية الإنسانية لذا انبرى لها الفلاسفة والحكماء وعنيت بها الشرائع السماوية وأفردت لها مساحات كبيرة.
الجمعة - 23 مايو 2014
Fri - 23 May 2014
ما من شك في أن التربية تعد أساسا علميا واجتماعيا في بناء الشخصية الإنسانية لذا انبرى لها الفلاسفة والحكماء وعنيت بها الشرائع السماوية وأفردت لها مساحات كبيرة.
والمتتبع لثقافات البشر وتاريخ وجودهم على هذه الأرض ويعمل على استقراء الثقافات الماضية يجد أن التربية أخذت من الاهتمام الشيء الكثير، وذلك لأنها وسيلة نقل الفلسفة من التنظير إلى حيز الوجود، وبطبيعة الحال فإن مرحلة الطفولة من أهم مراحل عمر الإنسان، وأطولها عهداً.
وتكمن أهمية هذه المرحلة في كونها ليست مرحلة إعداد للحياة المستقبلية فحسب، بل لأنها كذلك مرحلة لنمو الفرد من جميع النواحي، يسهم في هذا البناء كل ما يتلقاه من رعاية وتنشئة اجتماعية، وما يكتسبه من خبرات في تلك المرحلة، لذلك فإن موضوع التربية والتعليم يأتي في صدارة أولويات الدول المتحضرة التي تسعى إلى الرقي والازدهار.
وما من أمة تنشد التقدم والرقي إلاّ ويكون لها منهج تربوي واضح المعالم محدد الأهداف تصوغ من خلاله نموذج المجتمع الذي تريد، لذا فإن اختلال البناء التربوي يعني بالضرورة اضطراب مسيرة المجتمع وتعثر بنائه وتطوره.
منذ فترة من الزمن ليست بالبعيدة، تناقل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا لطفل صغير يجهش بالبكاء ويردد: (أتعلم وأجيك)، هذا المقطع رغم ما أثاره من طرفة لدى الكثير من الناس إلا أنه حمل في طياته رسالة عظيمة المضمون جميلة الصيغة.
فذلك الطفل رغم حداثة سنه وقلة تجربته في الحياة، استطاع أن يحدث الفرق في رسالته التربوية التي وجهها لمعلم لم يفكر حينها إلا في أن يوثق تلك الواقعة، أكثر من أن يتمعن في مضمون رسالة الصغير ومعناها وبعدها التربوي، ذلك أن تعلم الطفل في بيته والمجيء إلى المدرسة بعد أن يتعلم يفرغ المدرسة وكذلك العملية التربوية من مضمونها ورسالتها.
فالمدرسة في حقيقتها ليست مبنى اسمنتيا صامتا حوى بين جنباته مجموعة من الغرف والأثاث والأجهزة، بل هو بناء أشبه ما يكون بالرحم، إذ إنها من ينتج العلماء، والأطباء، والمهندسين، والمعلمين، وغيرهم، فهي من يصنع الرجال ويبني فكرهم، ويؤسس لنجاحهم في مستقبل أيامهم، ويعدهم ليتعاملوا مع معترك الحياة وصعوباتها.
هذا المعنى الذي غاب عن الجميع اختزلته كلمات ذلك الطفل الباكي، فلا معنى لعلم لا تكون المدرسة أساسه وصاحبة قصب السبق فيه، إذ إنه سيأتي حينئذ مختلا ومتخلفا ومشوها.
في جانب آخر تفاجئنا وسائل التواصل الاجتماعي بمناظر مؤسفة، كان أبطالها طلابا رأوا أن يعبروا عن حبهم لمدرستهم ولمرتع طفولتهم بطريقة مختلفة لم أجد لها في قواميس اللغة ما يمكن أن يصفها أو يصف من قاموا بها، تهشيم للنوافذ، وتحطيم للأثاث، وعبث بوسائل الإيضاح، ظهروا وكأنما يتعاملون مع عدو تدفعهم في تعاملهم معه رغبة في الانتقام منه، وغير بعيد منهم طلاب صغار احتفلوا بنهاية عامهم الدراسي بأسلوب فريد، تمثل في تمزيق كتبهم وكأنما كانوا ينثرون ورودا.
وأمام تلك المناظر المزعجة لنا أن نتساءل عن أسباب حدوثها:
هل هي عقم في العملية التربوية والتعليمية أفضى إلى خلل في بناء شخصيات أولئك الطلاب، وبالتالي تغذية الكره لكل ما يمت للمدرسة أو العملية التربوية بصلة؟ أم هي الأسرة وأسلوب التنشئة لأولئك الأبناء؟