"المقاولون" بالبحوث العلمية السعودية: مفهوم الإرهاب العلمي!
الأحد - 19 يناير 2014
Sun - 19 Jan 2014
آلية تقييم الأبحاث العلمية نوعيا في المؤسسات الأكاديمية والبحثية السعودية تخضع لمعايير تبدو «متخلفة» نوعا ما، إذا ما تم انتهاك ما تنص عليه نظريا من قوانين بممارسات سلوكية علمية سيئة. فضلا عن مقارنتها بمعايير الجامعات ومعاهد البحوث الخلاقة في صناعة البحث العلمي وتقييم نوعية الأبحاث المقدمة ومقدميها حول العالم. وبالتالي فإن ما يحدث حاليا في أوساط المجتمع العلمي السعودي بحاجة إلى إعادة نظر من قبل صناع القرار المهتمين بالارتقاء النوعي بالبحوث العلمية ممثلين بمقام وزارة التعليم العالي وأصحاب القرار في مراكز البحوث، أقول «الارتقاء النوعي للبحوث السعودية العلمية»!
توجد مختبرات ومعامل بمراكز الأبحاث المتوفرة حاليا في الجامعات السعودية وبعض المؤسسات العلمية السعودية أسندت فيها مهام الإشراف إلى دكاترة (أطباء أو حاملين للدكتوراه) سعوديين ليست حقيقة بعضهم سوى «مقاولين» بمجال النشر البحثي! يحرص كل مقاول علمي سعودي من هؤلاء لاستغلال منصبه بالإساءة إليه في المقام الأول، فيحرص على الرفع باستقدام بروفيسورات وباحثين أجانب حقيقة بعضهم أنهم خدم وعمال محتكرين لهذا المقاول، يعملون له التجارب العملية داخل أروقة المختبر ويصممونها ليل نهار فيستخلصون العينات البيولوجية بأيديهم ومن ثم يعالجونها بالمواد الكيميائية وبعد ذلك يتعاملون مع أجهزة المختبر الحساسة حتى ينتهوا باستخلاص الرسومات البيانية والإحصائيات بشكل كامل ويتواصلون مع العلماء والباحثين الأجانب في باقي مراكز البحوث الوطنية وحول العالم في ظل الغياب الكلي ليد المقاول السعودي ونظافتها وبراءتها من لبس القفازات والوقوف أمام الأجهزة وملاحظتها بالساعات والمكوث لساعات الليل المتأخر في المعمل. يقف المقاول العلمي السعودي فقط على باب المعمل مرة بالأسبوع بكامل زيه السعودي وبكل بهاء بعيدا عن ارتداء البالطو المخصص للمختبر الذي «يمتلكه» -إن صح التعبير- من خير المال العام! قبل أن يعود «شيخ» في مكتبه تصله البيانات لحد منتهاه، وبنهاية الموسم البحثي يجتمع حقيقة بطاقم «الخدم البحثي»، فيكتبون له الأوراق العلمية ثم يرفعونها لجنابه بعد أن يقدموا له المشورة الناصحة بالمشاركة في الجزئيات الكتابية الأخيرة ويساعدونه بما ينبغي أن يكتبه! حيث يقتصر دوره الرئيسي على رفع الأوراق العلمية للجان العليا في الجامعة أو الوكالات تمهيدا للموافقة عليها وإعطائه بدلات التميز البحثي أو العلاوات المالية أو الترقية الأكاديمية، مع التسويق لنفسه أنه الباحث الرئيس في الورقة العلمية فيكون اسمه آخر الأسماء في ترتيب الورقة العلمية لأنه «مالك» المعمل!
البحث العلمي السعودي يترنح بفعل هؤلاء المقاولين العلميين، في وقت تتجاوز نسبة سكان المملكة من الشباب ما دون الأربعين 70 ٪، أي أن برنامج الابتعاث الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين كفيل بضخ أعداد مهولة من الشباب المتخصصين في البحث العلمي وممارسته بكل مهنية وباستغناء كلي تماما عن هؤلاء المقاولين الذين انغرسوا كجذور ضرس العقل العتية في مراكز التميز البحثي ومعامل البحوث في الجامعات! صحيح أن الأبحاث المنشورة من قبل مقاولي البحوث السعوديين عند قراءتها تبدو جيده، ولكن باختفاء «عمالة البحث العلمي» سيؤكد بشكل قطعي أن جودة المخرجات البحثية في المنظمة البحثية عنت منذ أزل بعيد أن الأساس في الجودة البحثية ما هو إلا امتدادا للمراقبة الفنية للنوعية والمحاسبة الدائمة.
هذا الكم الشنيع من الغش والتدليس من قبل مقاولي البحوث العلمية السعوديين والذي بات مكشوفا لدى الجيل الجديد من الباحثين ارتبط ارتباطا وثيقا بالبذخ في الدعم المادي من أجل أوهام التصنيف العالمي، وهو ما يعيدنا إلى الأساس المرير: وهم التصنيف لا يخلق أبدا باحثا علميا أو عالم أبحاث مرموقا! لا يخلق سوى مقاول وظيفته «مراسل أكاديمي» يتطاير ذيل بشته من طائرة لأخرى ومن ثم يصير متفلسفا في كل مؤتمر عن نتاجه البحثي «المخزي في حقيقته القدراتية».
إذا تعثر إصلاح المقاول السعودي العلمي ومراقبته ومحاسبته بغض النظر عما ينتجه ويكتبه له فريق الخدم العلمي الأجنبي فسيرفع ذلك نسبة الفساد العلمي، ومن المعلوم الذي لمسناه في السنوات الأخيرة من فضائح فساد علمي سعودي الهوية على تنوعها الثري أن إنفاق الميزانيات الهائلة من شأنه المساعدة على فساد المشروعات البحثية العلمية وتشجيع القائمين على البحوث من السعوديين للتحول إلى مقاولين يسعون لاتخاذ المزيد من التدابير المتطرفة، كاستقدام الخدم العلميين من الباحثين والبروفيسورات الأجانب وإبعاد المنافس السعودي من إشراكه في الفريق برتبة باحث أو حتى مجرد فني أبحاث، وذلك ليتسلط عليهم الضوء والشهرة أملا في الحظوة لدى الجهات العليا ولكسب هالة مخملية من القداسة العلمية في نفوس الجمهور المتخلف علميا من العامة. البذخ بالإسراف على البحوث يخلق ديناصورات انتهازية كما أن خفض تمويل البحوث يضعف القدرات البحثية ويتسبب في الدول المتقدمة لهجرة العقول. الحل الأسلم يكمن في موازنه الصرف مع الاستحقاق الفعلي لمن يتقدم لطلب المنحة البحثية من خلال اختباره نوعيا وما إذا كان باحثا حقيقيا أم مجرد مقاول علمي!