حادثة الطعن المروعة..ناقوس خطر!

(على مدار ثلاث مقالات سابقة..تناولت مع حضراتكم بعضاً من الآفات السلوكية المدمرة التي حذر منها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت على التوالي: النميمة، الغيبة، البهتان.

(على مدار ثلاث مقالات سابقة..تناولت مع حضراتكم بعضاً من الآفات السلوكية المدمرة التي حذر منها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت على التوالي: النميمة، الغيبة، البهتان.

الأحد - 27 أبريل 2014

Sun - 27 Apr 2014



(على مدار ثلاث مقالات سابقة..تناولت مع حضراتكم بعضاً من الآفات السلوكية المدمرة التي حذر منها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت على التوالي: النميمة، الغيبة، البهتان. ولم نستكمل الحديث عن الرابعة، نظراً لتناول حادثة الطعن المروعة التي تعرض لها مقيم في بلدنا). تناقلت وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي مشهداً لرجل ينهال طعناً بالسكين على رجل في وضح النهار وعلى قارعة الطريق، والناس يتفرجون ولا يحركون ساكناً.. عفواً لقد حرك بعضهم في ساحة المعركه الدامية كاميرا جواله ليصور المأساة، وكأنه يصور مشهداً تمثيلياً رغم أن الدماء كانت تتفجر من جسد القتيل، ورغم أن القاتل كان يحمل سكيناً حقيقيةً مشحوذة ونصلها يقطر دماً حقيقياً من جسم الضحية..



وآخرون وجهوا كاميراتهم من شرفات منازلهم صوب المشهد المروع، وكأنهم في سباق لتوثيق الصورة الحقيقية التي وصلت إليها أنسانيتُنا في هذا الزمان، ليبرهنوا بالدليل القاطع أن السكين القاطعة كانت فعلا تقطع جسد إنسانٍ أمام أعين الناس، والشمسُ في كبد السماء، والبلد “مسرح الجريمة” مدينة عربية مسلمة، والناس المتفرجون كلهم مسلمون.



لم يحاول أحد منهم أن يتدخل، ولو بإلقاء حجر أو إطلاق نداء استغاثة، ولم يكلف أحدُهم خاطره في التفكير في إنقاذ روح تزهق أمامه.. وأقسم بالله لو حدث مشهد كهذا لكلب في شارع أوروبي أو أمام غير المسلمين لانبرى على الأقل ثلاثة أو أربعة لردع الجاني عن ضرب الكلب وطعنه بهذه السكين الهوجاء.



يا الله.. هل ماتت الأخلاق عندنا إلى هذه الدرجة التي تجعل الناس يتفرجون على ذبح رجل ضيفٍ، ضعيفٍ، وواحد من أهل البلد يمزقه بسكين؟



هل ماتت الأخلاق التي تباهى رسول الحق، صلى الله عليه وسلم أنه بعث ليتمَّها؟ هل ماتت النخوةُ في صدورنا؟ هل طعن ذلك القاتلُ الشهامةَ في قلوبنا، فكان الذي يسيل على الأرض دمَها وليس دم ذلك الغريب الضيف الغارق في دمه أمام عشرات العيون؟ أهو الخوف وقد لجم صهوة النخوةِ التي طالما تفاخرنا بها؟ أم هو الخوف من المساءلة لمن يتدخل فيدخل في متاهةِ السؤال والجواب (س ، ج) من قبل الشرطة، فيدور في دوامة أيام طويلة من الإجراءات الروتينية الشرطية والأمنية..(ويدوخ أهله السبع دوخات) ليثبتوا أن ابنهم كان شهماً فقط، وأن نخوته هي التي (نقحت) عليه، وأن إسلامه رفض له أن يقف متفرجاً على مشهد يذبح فيه رجلٌ رجلاً ..



فقد سمع نفراً من قبل يوبخهُ أهله وأصدقاؤه: “يا أخي أنت مالك ومال..إن شاء الله يقطعوا أوصال..”.



نعم يا صاحب السمو الملكي..ربما هذا ما جعل كل المشاهدين لذلك المشهد المخزي يحجمون عن التدخل، ويعطلون وظائف النخوة والشهامة.. ويقتلون في صدورهم الرغبة الأصيلة في إغاثة ملهوف..أو نجدةٍ مستصرخ، ولهذا أرجوك، وأنت رجل الأمن الأول في هذا البلد، وأنت وزيرُه، أن تعيد إلى الناس الثقة في أخلاقهم التي فطروا عليها..وأن توعز إلى رجال أمننا الكرام أن يتعاملوا كما عهدناهم بروح المواطنة التي تفرض على المواطن نوعاً من التدخل السريع لإنقاذ ضحيةٍ من يد قاتل مهما كان..



والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام، وبسرعة البرق، أطلقت على القاتل صفة المجنون..وكأنها تبرر له ما قام به، دون تأكد أو كشف لغموض هذا المشهد الرهيب والحادث المروع..وكأنها تقول للقاتل ومن هم على شاكلته..اطعن.. واسفك الدم.. فأنت في النهاية محصنٌ بالجنون.



ماذا لو كان الوضع مختلفاً، وكان ذلك الوافدُ المسكين الذي قصد أرضنا بحثاً عن لقمة عيش أو مأوى هو القاتل، والمواطن هو المقتول؟! من كان سيسارع إلى رمي الوافد بالجنون؟! لا أحد، بل ستكون تهمة الإجرام والفساد هي بعض ما يرمى بها إلى آخر ذلك من صفات الإدانة المسبقة لمجرد أنه غريب ضعيف.



هل هذه هي حرمة النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؟ أهكذا تزهقُ الأرواح دون اكتراث ولأسباب تافهة؟ إن أقصى عقوبةٍ تطبق على مثل هذا الوافد المسكين ـ يرحمه الله ـ إذا ما ارتكب لسبب أو لآخر خطأ ليس فيه اعتداءً على عرضٍ أو فساد في الأرض..أن يُرحلَ من حيث أتى..وبالقانون، وبلدنا ـ والحمدلله ـ هو موطن القانون السماوي الذي يطبق على الأرض. ونص القانون في هذه المسألة يؤكد أن من قتلها فقد قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً..أنها نفس وروُح.



ولقد بكى صلى الله عليه وسلم حين مرت به جنازة يهودي.



فقالوا له: يارسول الله، إنه يهودي..



قال: أو لم تكن نفس لم أهدها؟



“فكيف بالله هان علينا قتل نفسٍ، نذبحها ونصورها ونتناقل مصرعها، وكأننا نتبادل صورة تذكارية أو هدفاً من الأهداف الكروية؟



لقد كان ذلك المشهد المخزي ناقوس خطر لا بد له أن يحرك ما نام فينا من ضمائر، وأن يوقظ فينا ما عمي من بصائر..”.



إننا بعد هذا المشهد أمسينا في حاجةٍ لعدة أمور، من أهمها:




  • 1 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُبعث ليجُرَّ الناسَ إلى المساجد جراً. ولم يبعث ليفرض الحجاب فرضاً، ولكنه كما قال صلى الله عليه وسلم بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق.


  • 2 - نحن في حاجة اليوم إلى هيئةٍ حكوميةٍ تصون وترعى مكارم الأخلاق وتحيي القيم إحياء لا يسمح للمشهد الذي نتحدث عنه أن يتكرر. وإذا كانت القيم لا تُدرس فقط بل تُورث، فإن على هذه الهيئة أن تبدأ عملها من صفوف الدراسة الأولى حتى يشب الطفل مشبعاً بالأخلاق والقيم، وعلى البيت أن يبدأ قبلها، ليصل الجميع إلى الجامعات، متحلين بأرفع القيم وأجمل الأخلاق.


  • 3 - أن مشهداً كهذا لا يجوز ولا يجب أن يغيب عن خطب الجمعة في مساجدنا، خاصة الحرمين الشريفين، ولقد أكرمنا الله بأئمةٍ نجباء يعرفون كيف يسهمون في تغيير هذا المشهد ومحاولة محو أثره السلبي علينا وعلى العالم الذي يتفرج علينا.


  • 4 - أن الأمر بالمعروف لا يكتمل إلا إذا تم النهي عن المنكر..وما حدث كان منكراً تقشعرُ له الأبدان، ولهذا فعلى الهيئة الموقرة أن تطور من أدائها لتمنع مشهداً كهذا من التكرار.



سؤال أخير أسألهُ كل من قام بتصوير هذا الرعب المجسد المقيت: ماذا لو كان المذبوح في هذا المشهد أحداً من أهلك أو أقاربك..هل كنت توافق على التصوير والإذاعة؟؟!!

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكم أتمنى أن نعود كما كنَّا وكما قال شاعر:



وننصرُ مظلوماً ونمنعُ ظالماً



إذا شِيكَ مظلومٌ بشوكةِ ظالمِ