إنسان العولمة

إن الإنسان الذي يبدو أن العولمة تبشر به وتدعو إليه هو عبارة عن كائن خاتم أي لا تأريخي، معه تغدو «الإنسانيات» وقضايا الإبداعات الأدبية والفنية الوطنية عبارة عن بقايا ورواسب، أو عن غرائب ونوادر لعهد غابر بائد، ذلك أن ثقافة العالم World-culture اللصيقة بالعولمة على النهج الأمريكي صارت تتموضع، حسب تمظهراتها الغالبة، في التوجه القوي لما يسمى توربو-رأسمالية، أي في السيول الجارفة للسلع واللعب والموضات والإشهارات، وكلها بمثابة أحطاب سوق الاستهلاكية والمتلاشيات والمرميات.

وهذه الثقافة، الضعيفة الذاكرة، التي تعتبر المهتم أو المحتج بالتاريخ -ولو القريب منه- كائنا تاريخيا أي متجاوزا، فتنعته you are history، هذه الثقافة تبدو نتاج الآثار والمضاعفات السلبية لليبرالية المتطرفة واقتصاد السوق السائد، وكلها حللها وانتقدها عدد كبير من الدارسين (ألكسندر كينغ، كلود جوليان، إغناسيو راموني، ألبير جاكار...)، بل حتى سياسيون ورجال أعمال وعلماء الاقتصاد (روبير رايش، جورج سوروس، جون كينت غولبرايت، أمرتيا سين وآخرون).

في منحى بناء ثقافة الحوار والسلام، أنسنة العولمة معناها انفتاح تدريس الإعلاميات والتدبير والتسويق على تعليم الإنسانيات والفنون والأخلاق الدينية أو اللائكية؛ معناها إحلال قوانين اقتصاد عالمي تضامني وذي وجه إنساني محل قوانين السوق العاتية والتنافسية المطلقة والرأسمالية القاتلة Killer capitalism، وبهذه الشروط ضمن أخرى يمكن للعولمة، كنظام شمولي عقلاني متفاوض عليه، أن يكسب انخراط غالبية الأمم والشعوب.