مافيا البحوث والشهادات العلمية

يتناقل الناس منذ أمد أن ثمة سوقًا رائجةً للشعر الشعبي؛ إذ يشتري منها بعض المقتدرين ماديًّا ممن لا يملك موهبة الشعر؛ ليشبع نهمه بالظهور والتفرد بين أقرانه،

يتناقل الناس منذ أمد أن ثمة سوقًا رائجةً للشعر الشعبي؛ إذ يشتري منها بعض المقتدرين ماديًّا ممن لا يملك موهبة الشعر؛ ليشبع نهمه بالظهور والتفرد بين أقرانه،

الخميس - 24 أبريل 2014

Thu - 24 Apr 2014



يتناقل الناس منذ أمد أن ثمة سوقًا رائجةً للشعر الشعبي؛ إذ يشتري منها بعض المقتدرين ماديًّا ممن لا يملك موهبة الشعر؛ ليشبع نهمه بالظهور والتفرد بين أقرانه، ومع دناءة هذا العمل وسقوطه الأخلاقي إلا أن ضرره – غالبًا – لا يتعدى المشتري والبائع، لكنْ ثمة سوقٌ أكبر وأخطر ما زالت مسرحًا للمشترين والبائعين وهي سوق (البحوث العلمية والشهادات الوهمية)، وهذه السوق هي عبارة عن مافيات محلية وعالمية تعاني منها كل المجتمعات، وليست خاصة بمجتمعنا المحلي، وعمل تلك المافيات يتم من خلال عدة محاور؛ المحور الأول: إنشاء جامعات وهمية تصدر شهادات جامعية وشهادات عليا، وقد ذكر مدير إدارة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله القحطاني أن هناك أكثر من 480 جامعة وهمية في العالم، ومن بعض هذه الجامعات تورط عدد من السعوديين والسعوديات بأخذ شهادة ماجستير أو دكتوراه منها، بعضهم بحسن نية خاصة أن عددًا من تلك الجامعات تتطلب القيام ببحث، وقد تصدى الدكتور موافق الرويلي بشجاعة لملاحقة نشاط تلك الجامعات على المستوى المحلي، وأنشأ هاشتاقًا باسم (#هلكوني)، كانت له أصداء واسعة، وأُنشِئت صفحةٌ على الانترنت لتتبع أصحاب هذه الشهادات، فأحصت (190 اسمًا) ممن حاز على شهادة وهمية، منهم (14 متخصصًا بالعلوم الشرعية)، و(59 مدربًا في حقل التدريب على القدرات، والتواصل الاجتماعي، واكتساب الخبرات)، و(19 إعلاميًّا) ، و(33 موظفًا حكوميًا تربويًّا) ، و(11 موظفًا في التعليم العالي).

وأما المحور الثاني فهو تزوير شهادات الجامعات المعروفة، فيكون المتخرج قد تخرج من جامعة معترف بها، وقد تكون مرموقة، لكن شهادته مزورة، وهذا الصنيع منتشر عالميًا؛ فقد ذكرت صحيفة (سبوك مان ريفيو) الأمريكية أن ما يقارب 10 آلاف شخص أنفقوا نحو 7,3 ملايين دولار لشراء شهادات ثانوية وجامعية مزورة بينهم عشرات العرب، وأن تحقيقًا موسعًا يجري في القضية، وقالت الصحيفة إن هذه الشهادات العلمية تم الحصول عليها من جامعات أمريكية بطرق غير قانونية، ويتضح من خلال القائمة المنشورة على رابط الكتروني أنها تضم جنسيات عديدة من مختلف القارات، وبحسب القائمة فإن 90% ممن حصلوا على الشهادات المزورة أمريكان، يليهم البريطانيون واليابانيون والأستراليون، وقد قبضت شرطة القصيم قبل شهرين على مقيمٍ عربي يقوم بتزوير شهادات جامعية ومعاهد لجامعات محلية، وعربية، وكان بين يديه 10000 شهادة، وبعض منها جاهر للتسليم.

وأما المحور الثالث فهو القيام بالبحث عن الطالب، وهو أكثرها انتشارًا، وأخطرها أثرًا، وأصعبها اكتشافًا؛ إذ ما على أي طالب يريد عمل بحث سوى التقدم لأحد المراكز المتخصصة بكتابة البحوث والاتفاق معهم على عنوان البحث، وعدد الصفحات، وتاريخ التسليم ثم يصله البحث عن طريق النت، وخدمات هذه المراكز تشمل إنجاز بحوث المرحلة الجامعية، وبحوث الماجستير والدكتوراه وبأي لغة يريد الطالب، وللأسف إن عددًا من المبتعثين للدراسات في الخارج يعتمد في كتابة رسالته على تلك المراكز، ففي تحقيق نشرته جريدة (الوطن) تتبعت فيه الإعلانات في الانترنت حتى تواصلت مع أحد المكاتب واتفقت معه على كتابة بحث لأطروحة ماجستير في الأدب الإنجليزي، فأبدى المسؤول في المكتب استعداده لعمل البحث بالكامل، وقال إن لديهم شبكة من الباحثين موزعين على كافة دول العالم، كما أكد أن البحث المطلوب ستكون كتابته من خلال متخصص يحمل درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي في الفلبين، ويمكن التنسيق معه عبر الانترنت، وببحث سريع في الانترنت حصلتُ على أسماء ستةَ عشرَ مكتبًا عربيًّا لكتابة البحوث، ورسائل الماجستير والدكتوراه، وهذا أنموذج لإعلان أحد تلك المكاتب: «متخصصون في إعداد رسائل ماجستير و دكتوراه، والأبحاث العلمية في جميع المجالات: (مناهج وطرق تدريس في جميع الأقسام - نحو وصرف - تاريخ – هندسة مدنية، هندسة الحاسب، هندسة ميكانيكا، هندسة سيارات – فنون تطبيقية، فنون جميلة – فقه وشريعة – إعلام – قانون جنائي، قانون بحري، قانون نووي، قانون مدني – إدارة – محاسبة – موارد بشرية – طب إسنان، جراحة، صيدلة، تمريض – فلسفة، علم نفس، دراسات اجتماعية – كيمياء»، وأجزم أنه لا تخلو أي مدينة سعودية ممن يتكسب بكتابة البحوث للطلبة الجامعيين، ومن واقع تجربة شخصية لا يمر فصل دراسي إلا وأكتشف أن عددًا من طلبتي قد استأجر من يكتب له بحثه، وإذا كان طالبي ينال عقابه، فإن الأفعى التي كتبت له ما زالت تُسقط ضحايا كل سنة، ويحتاج أمرها لوقفة رسمية جادة.