الصحفي البراغماتي
أشكر شاعرنا الكبير «عبدالله الصيخان» الذي لن يعترض على استعارتي عنوان ديوانه «هواجس في طقس الوطن» لمناقشة بعض الهواجس التي تعنُّ للفكر وهو يتأمل الوطن وما يجري على مسرحه اليومي من حراك على مختلف الصعد، بعضها يستفزك إيجابيا، فتبتسم،
أشكر شاعرنا الكبير «عبدالله الصيخان» الذي لن يعترض على استعارتي عنوان ديوانه «هواجس في طقس الوطن» لمناقشة بعض الهواجس التي تعنُّ للفكر وهو يتأمل الوطن وما يجري على مسرحه اليومي من حراك على مختلف الصعد، بعضها يستفزك إيجابيا، فتبتسم،
الجمعة - 18 أبريل 2014
Fri - 18 Apr 2014
أشكر شاعرنا الكبير «عبدالله الصيخان» الذي لن يعترض على استعارتي عنوان ديوانه «هواجس في طقس الوطن» لمناقشة بعض الهواجس التي تعنُّ للفكر وهو يتأمل الوطن وما يجري على مسرحه اليومي من حراك على مختلف الصعد، بعضها يستفزك إيجابيا، فتبتسم، وبعضها سلبيا وهو الأكثر تحريكا لأقلام كتاب الرأي، ولعل المتابع لنتاج الشعراء يجدهم أكثر التصاقا بالحزن، لأن الكاتب أو الشاعر يلجأ إلى قلمه عندما يتأثر بعمق ولا يجد أقرب منه ليفضفض عن مكنوناته، بينما لحظات السعادة المكتظة بالمحبين يظل القلم في ركنه الهادئ.
وما دام الحديث عن القلم والشعر، فلا تظنوا الإبحار ممتعا، وما يستفزك ليس محزنا فقط، بل (محبطا) فعندما سلّم الشعراء راية (المدح والهجاء) إلى الصحفيين اختلف الأمر، فإن كان الشاعر قديما وقلة من المحدثين يتكسّب بشعره، فإن بعض الصحفيين اليوم تخلى عن (المهنية) وامتطى صهوة (النفعية) فلا يتورع عن تلميع مَن لا يستحق؛ لأنه ببساطة يحصد منفعة ما، ولا تمنعه المهنية عن تشويه من يقف في طريق منفعته سواء أكان شخصا أو جهة بكبرها، في تضخم «للذاتية» يجتث من روحه الحس الصحفي، والانتماء الوطني، في ظل تخدير المنفعة للوازع الديني.
لو استشعر كل قلم حر، دوره الكبير في عجلة التنمية، وصناعة حاضر ومستقبل الوطن، فكان مهنيا في تناوله للقضايا سواء بالسلب أو الإيجاب، لتبدّلَ حال الكثيرين، فإن كانت صناعة الصحافة تعتمد على مبدأ «الإثارة» فإنها لا تعني ما فهمه بعض الصحفيين «إثارة المشكلات» بل الإثارة فنٌّ راقٍ يحمّس القارئ للقراءة، ويشعره بدور «السلطة الرابعة» في تسليط الضوء على الناصع والداكن، لكن بمهنية صادقة ونقية لا تقبل شوائب الذاتية لا لمنافع وحسابات شخصية ضيقة ولا لتوجهات طيفية أو تياراتية.
عندما تحشر الذاتية أنفها في أمر من الأمور، تقلب كل الموازين، فذاتية المدّاح تزوّر الحقائق وتوهم الرأي العام بأن فلان أو الجهة الفلانية تعمل صالحا يرضاه الجميع، وتغيب الحقيقة خلف زيف المنفعة والذاتية، ولا يدفع ثمن هذا الزيف إلا الوطن، وفي الجهة المقابلة ينقلب المدح إلى هجاء عندما تجف مستنقعات المنفعة، وينقلب المدّاح إلى هجّاء يحطم الشخصية التي تقف في طريق منفعته، وتدخل ذاتيته الكارهة في تحطيم وتقزيم كل مشروع وطني مهما كانت قيمته، حتى يحطّم الذوات التي تبذل وقتها وجهدها في سبيل تقديم ما يستحقه الوطن وإنسانه.
في نظري أن تحول بعض الصحفيين إلى مدّاحين وهجّائين وفق نسبية النفعية من أكبر عوائق التميز الصحفي والتنمية الوطنية، ويجب على رؤساء التحرير مراجعة مواد إعلاميّيهم وتدقيقها والتأكد من الجهات والشخوص التي تتناولها، لتبقى للسلطة الرابعة هيبتها ودورها في عجلة التنمية، ووضع مؤشرات للذاتية يُنبه إليها الإعلامي، ويُسلك في دورات صقل خاصة تزيد من مهنيته واستشعاره لدوره، فليست الصحافة مهنة وجاهة اجتماعية، ولا ملعقة يغترف بها مصالحه أو سوطا يهدد به من يقف في طريق انتفاعه. ثم وضع قوانين داخلية يُحاكم من خلالها من تتعاظم فيه هذه الصفات السلبية وأن يُطبع في لائحة سوداء تتشارك فيها الصحف ووزارة الثقافة والإعلام. فمنجزاتنا الوطنية، لا تستحق التشويه، وكذلك بعض الخاملين لا يستحقون أن نساعدهم بالتطبيل الزائف على الخمول والدعة في عصر لا يعترف إلا بالإنجاز الحقيقي، ولا يؤمن إلا بالأمة العاملة المنتجة.
ختاما، صحافتنا السعودية بخير ولله الحمد، وفيها كثير من النبلاء والوطنيين النزيهين، لكن البقعة «الصفراء» هي التي تستقطب القلم ـ غالبا ـ حبا في الملاءة البيضاء العريضة، وحرصا على نقائها، وباستطاعة هؤلاء النبلاء التحرك والحدُّ من امتدادات الأقلام أسيرة النفعية والذاتية التي لا تنجب إلا الخسران المبين، للوطن وأبنائه المنتجين.