هبة قاضي

عين باردة

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 13 سبتمبر 2016

Tue - 13 Sep 2016

من أعجب ما يمكن أن يحصل للإنسان، ولكنه يحصل دائما، هو إحساسه الفجائي بالإعراض وعدم الرغبة في الاستمرار في عيش شيء ما أو عمله.



والأدهى حين لا يستطيع تلمس سبب مباشر أو ظاهر لهذا الإحساس. فها هو كاتب شغوف، غزير الإنتاج يعرض عن الكتابة ولا يعود يشعر أنه يرغب في خط كلمة.



وها هي امرأة عاشت مع زوجها عمرا وهي الآن لا تحتمل حتى ابتسامته. وها هو صاحب عمل لم يعد يتحمل الذهاب لعمله أو التعامل مع متطلباته وهو الذي بناه بعرق جبينه وتفانى حتى أصبح ما هو عليه. وها هي مبتعثة تتوقف فجأة عن إتمام دراستها وتصر على العودة إلى الوطن دون إبداء أي سبب سوى شعورها بعدم الرغبة في الاستمرار.



كالعادة أن أول ما يتبادر إلى أذهاننا في مثل هذه الحالات هو السحر والمس والعين التي لم تصل على النبي. ونسعى للجري عند الشيوخ والاستقراء والترقية، فكم من الأسهل أن تكون نتائج تصرفاتنا رهنا بشيء خارج عن إرادتنا، فوقتها لا نحتاج إلى بذل الجهد أو الفكر في محاولة لتحليل الموضوع وحله. ولو أننا ألقينا نظرة سريعة على أحوال الناس وتمعنا في بعض ما يقوله العلم في مثل هذه الحالات لوجدنا ببساطة أنه في بعض الأحيان تعمل النجاحات والزخم والانتباه على تحريك مواطن الضعف فينا، من حيث شعورنا بعدم الاستحقاق أو الخوف من الفشل، فنجد أنفسنا ننسحب حين يجدر بنا التدافع، ونتراجع حين يتوقع منا التحرك للأمام. وربما أحيانا أخرى نصر على الإكمال والاستمرار في أشياء لا تناسبنا بدافع العرف أو المسايرة أو الاضطرار، فتتراكم الضغوطات في داخلنا رويدا رويدا، حتى نصل يوما نجد فيه أنفسنا شديدي التطرف في ردة فعلنا، سواء بالانفعال أو السلبية. وربما الموضوع ببساطة شديدة هو أننا انتهينا من مرحلة في حياتنا، ونحتاج للانتقال لمرحلة أخرى، فبعضنا بطبيعة خلقته، حال تعوده على حرارة المياه، يتحرك بحثا عن عمق جديد بدرجة حرارة أعلى.



يجد الإنسان نفسه في مثل هذه المواقف يقف حائرا، متخبطا ما بين مشاعره التي تشده لاتخاذ أسهل الطرق بالإعراض والهجر والترك، وما بين ضميره وإحساسه بالمسؤولية والذي يضغط المكابح على اندفاعاته ويجبره على التوقف لفتح غطاء المحرك والكشف عن موطن الخلل وسببه.



نعم لا مفر من مراجعة ومواجهة عميقة مع النفس لمعرفة سبب حالتنا. ونعم لا مفر من وضع فرضيات المس والعين جانبا، واستبعاد تمنيات أن الأمور ستصلح نفسها بنفسها بكثرة الدعاء والترجي، وأنه ليس أمامنا لنرتقي كبشر إلا مغالبة أهوائنا والأخذ بأسباب الحلول.