التنمية في مواجهة التشليح السياسي
الاثنين - 12 سبتمبر 2016
Mon - 12 Sep 2016
التشليح السياسي الذي يعاني منه العالم اليوم لا يختلف عن تشليح الثمانينات من القرن الماضي الذي ابتدعه الأمريكان « تشليح الشركات Asset Striping» عبر آليات الاستحواذ الاختياري أو العدائي، ليتم بعدها تفسيخ تلك الشركات كما تفسخ الدول الآن بغرض إعادة بيعها دويلات عرقية أو طائفية.
تلك العمليات حينذا أو سياسيا الآن لم تقدم أية قيمة مضافة، لا لآليات السوق أو الاستقرار الدولي، وما اختلف فقط أن ضحايا تشليح الشركات هم موظفوها وعمالها، أما التشليح السياسي للدول فإن ضحاياه هم عشرات الملايين من القتلى واللاجئين. ولكن تتماثل أدوات تلكم العمليتين لاحتكامهما لنفس القيم الأخلاقية. فمآلات التشليح الاقتصادي اكتشفها العالم أجمع لاحقا في عام 2007 بعد الانهيار شبه التام لسوق المال العالمي. فحال العالم اليوم لا يختلف عن ذلك الحال، بل امتداد طبيعي له. فها هم كبار الشمال يطبقون الاستحواذ القسري سياسيا لجنوب العالم بشكل تجاوز في بشاعته كل صراعات البشر التاريخية. وقد تكون قمة العشرين في الصين أكبر إثبات على خواء القيادة الدولية في التعاطي المسؤول مع قضايا العالم، وما توقيع الولايات المتحدة والصين على اتفاقية باريس للمناخ إلا تمسح بادعاء تلك المسؤولية.
لكن تبقى التحديات هي صانع الإنسان لا عكس ذلك في أحلك الظروف، ففي حين تنحسر القيادات الدولية التقليدية تتخلق أخرى قادرة على اجتراح رؤى تتحدى التشليح السياسي بالتنمية. وأحد أبهى مخرجات قمة العشرين غير المباشرة هو إعلان اليابان إطلاق صندوقها التنموي الأفريقي. فبعد تراجع طويل لدور فاعل لرؤوس الأموال اليابانية نجدها اليوم تعيد صياغة دور مستحق لها نتيجة حالة عدم الاستقرار في شرق آسيا والعالم. واليابان قادرة على ممارسة دور ريادي وحيوي يتناسب ومكانتها الاقتصادية، ولذلك اختيارها على أفريقيا لإطلاق مشروعها السيواقتصادي والدخول في مشاركات مع السعودية ضمن برامج رؤيتها 2030. أما آسيويا، فإن رئيس الوزراء شينزو آبي يمثل الشخصية التي تجاوزت أمس اليابان وإرثها الإمبريالي بقيادة واثقة قادرة على التأثير في محيطها الآسيوي.
نفط الشرق الأوسط ليس سبب نقمة الآخرين عليه، بل موقعه الرابط للعالم القديم. هذا العالم الذي إن أحسن اليوم قراءة التاريخ الإنساني سيجد أن تنمية أفريقيا هو المشروع الأوحد القادر على ضمانة الاستقرار العالمي مستقبلا. ويحسب للمملكة العربية السعودية والإمارات توظيفهما أدوات دبلوماسية جديدة في أفريقيا عبر مؤسساتهما الإغاثية والتنموية. وقد أسست مبادراتهما حجر الأساس لنقلة نوعية في العلاقات العربية الأفريقية. وكلنا يتذكر مستوى المشاركة الأفريقية والحضور في القمة العربية اللاتينية في الرياض من نوفمبر 2015. القمة العربية اللاتينية يجب أن تكون جسرنا في ربط عالم الجنوب. هذا هو مدخلنا للتاريخ لنضطلع بدور مشارك في صناعة التاريخ الإنساني الحديث.
بالعودة لجولة سمو ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نجدها ركزت على الأهمية الاستراتيجية للشراكة الآسيوية الخليجية، وكذلك كانت رسائلها السياسية في الجولة التي سبقت قمة العشرين، ناهيك عن دلالات ترؤسه للوفد الرسمي المشارك في القمة. لكن علينا الاعتراف بأن ليس كل شركائنا الآسيويين متماثلين من حيث الأولوية الاستراتيجية، فاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان يملكون أن يكونوا شركاء حقيقيين لنا خليجيا وجيواستراتيجيا. فهذه الدول تملك المقومات المعرفية والصناعية، بالإضافة لملاءتها المالية لتكون شريكة لنا في برامج التنمية الاستراتيجية. فمكونها الثقافي شرقي، أما إنسانها فهو حداثي متجدد والمعرفة بكل أفرعها تمثل هاجسه الدائم. فمشروع التنمية الياباني لإعادة تحفيز الاقتصادات النامية، إن رفد بشركاء آسيويين وشرق أوسطيين، مثل السعودية والإمارات ومصر، فإنه سيسهم في التحفيز على الاستقرار السياسي وإطلاق تنمية حقيقية قد تشجع الأوروبيين على تجاوز نظرتهم الآنية للأمن والتنمية في حوض المتوسط وشمال أفريقيا. وبقياس ملاءة الاقتصاد الياباني مقارنة بالأخرى، على الرغم من ارتفاع معدل الدين العام القومي، فإنها تحتكم على مخزون نقدي يقارب 12 ترليون دولار أمريكي، وحيث تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وقد رصدت اليابان لصندوقها السيادي المشترك للتنمية في عام 2015 مبلغ 150 مليار دولار.
تلك العمليات حينذا أو سياسيا الآن لم تقدم أية قيمة مضافة، لا لآليات السوق أو الاستقرار الدولي، وما اختلف فقط أن ضحايا تشليح الشركات هم موظفوها وعمالها، أما التشليح السياسي للدول فإن ضحاياه هم عشرات الملايين من القتلى واللاجئين. ولكن تتماثل أدوات تلكم العمليتين لاحتكامهما لنفس القيم الأخلاقية. فمآلات التشليح الاقتصادي اكتشفها العالم أجمع لاحقا في عام 2007 بعد الانهيار شبه التام لسوق المال العالمي. فحال العالم اليوم لا يختلف عن ذلك الحال، بل امتداد طبيعي له. فها هم كبار الشمال يطبقون الاستحواذ القسري سياسيا لجنوب العالم بشكل تجاوز في بشاعته كل صراعات البشر التاريخية. وقد تكون قمة العشرين في الصين أكبر إثبات على خواء القيادة الدولية في التعاطي المسؤول مع قضايا العالم، وما توقيع الولايات المتحدة والصين على اتفاقية باريس للمناخ إلا تمسح بادعاء تلك المسؤولية.
لكن تبقى التحديات هي صانع الإنسان لا عكس ذلك في أحلك الظروف، ففي حين تنحسر القيادات الدولية التقليدية تتخلق أخرى قادرة على اجتراح رؤى تتحدى التشليح السياسي بالتنمية. وأحد أبهى مخرجات قمة العشرين غير المباشرة هو إعلان اليابان إطلاق صندوقها التنموي الأفريقي. فبعد تراجع طويل لدور فاعل لرؤوس الأموال اليابانية نجدها اليوم تعيد صياغة دور مستحق لها نتيجة حالة عدم الاستقرار في شرق آسيا والعالم. واليابان قادرة على ممارسة دور ريادي وحيوي يتناسب ومكانتها الاقتصادية، ولذلك اختيارها على أفريقيا لإطلاق مشروعها السيواقتصادي والدخول في مشاركات مع السعودية ضمن برامج رؤيتها 2030. أما آسيويا، فإن رئيس الوزراء شينزو آبي يمثل الشخصية التي تجاوزت أمس اليابان وإرثها الإمبريالي بقيادة واثقة قادرة على التأثير في محيطها الآسيوي.
نفط الشرق الأوسط ليس سبب نقمة الآخرين عليه، بل موقعه الرابط للعالم القديم. هذا العالم الذي إن أحسن اليوم قراءة التاريخ الإنساني سيجد أن تنمية أفريقيا هو المشروع الأوحد القادر على ضمانة الاستقرار العالمي مستقبلا. ويحسب للمملكة العربية السعودية والإمارات توظيفهما أدوات دبلوماسية جديدة في أفريقيا عبر مؤسساتهما الإغاثية والتنموية. وقد أسست مبادراتهما حجر الأساس لنقلة نوعية في العلاقات العربية الأفريقية. وكلنا يتذكر مستوى المشاركة الأفريقية والحضور في القمة العربية اللاتينية في الرياض من نوفمبر 2015. القمة العربية اللاتينية يجب أن تكون جسرنا في ربط عالم الجنوب. هذا هو مدخلنا للتاريخ لنضطلع بدور مشارك في صناعة التاريخ الإنساني الحديث.
بالعودة لجولة سمو ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نجدها ركزت على الأهمية الاستراتيجية للشراكة الآسيوية الخليجية، وكذلك كانت رسائلها السياسية في الجولة التي سبقت قمة العشرين، ناهيك عن دلالات ترؤسه للوفد الرسمي المشارك في القمة. لكن علينا الاعتراف بأن ليس كل شركائنا الآسيويين متماثلين من حيث الأولوية الاستراتيجية، فاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان يملكون أن يكونوا شركاء حقيقيين لنا خليجيا وجيواستراتيجيا. فهذه الدول تملك المقومات المعرفية والصناعية، بالإضافة لملاءتها المالية لتكون شريكة لنا في برامج التنمية الاستراتيجية. فمكونها الثقافي شرقي، أما إنسانها فهو حداثي متجدد والمعرفة بكل أفرعها تمثل هاجسه الدائم. فمشروع التنمية الياباني لإعادة تحفيز الاقتصادات النامية، إن رفد بشركاء آسيويين وشرق أوسطيين، مثل السعودية والإمارات ومصر، فإنه سيسهم في التحفيز على الاستقرار السياسي وإطلاق تنمية حقيقية قد تشجع الأوروبيين على تجاوز نظرتهم الآنية للأمن والتنمية في حوض المتوسط وشمال أفريقيا. وبقياس ملاءة الاقتصاد الياباني مقارنة بالأخرى، على الرغم من ارتفاع معدل الدين العام القومي، فإنها تحتكم على مخزون نقدي يقارب 12 ترليون دولار أمريكي، وحيث تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وقد رصدت اليابان لصندوقها السيادي المشترك للتنمية في عام 2015 مبلغ 150 مليار دولار.