حمود الباهلي

كيف أساء سفر الحوالي فهم نيتشه؟

الأربعاء - 07 سبتمبر 2016

Wed - 07 Sep 2016

(أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية) كتاب أصدره الشيخ سفر الحوالي سنة 1427هـ يعرض فيه بشكل موجز جدا لأشهر الفرق والمذاهب الدينية والفلسفية.



لفت نظري عند قراءة الكتاب ما وجدته في الفصل المخصص عن الوجودية، حيث كتب الشيخ سفر: «وأما الوجودية الإباحية، فأصلها الفيلسوف اليهودي الألماني (نيتشه) المتوفى سنة (1900م) وقد كان بحكم يهوديته عدوا للنصرانية»! وهذا خطأ كبير جدا! فنيتشه لم يكن يهوديا، بل نشأ تنشئة مسيحية بروتستانتية متشددة، لكنه تبنى الإلحاد فيما بعد.



حديث الشيخ سفر عن يهودية نيتشه يبين أنه لم يقرأ حرفا من كتبه، ولم يقرأ بعمق عن شخصيته وأفكاره، إذ لو رجع إلى أي مصدر غربي يعرض ولو بشكل موجز عن فلسفة نيتشه لما كتب عنه أنه كان يهوديا.



كيف لم يتنبه له طلابه وهم كثر؟ للأسف ما زالت هذه المعلومة الخطأ موجودة في موقع الشيخ حتى هذه اللحظة 1437هـ.



بتقديري أن الشيخ سفر وعامة الإسلاميين - للأسف - لا يستقون معلوماتهم عن الغرب والمدارس الفكرية فيه من خلال مصادر محايدة، وإنما من خلال ما كتبه مخالفون عنهم.



التعرف على مذهب ما من خلال ما كتبه مخالف له يجعل الباحث فريسة للأوهام والفهم الخاطئ والمغلوط، وبدلا من أن يتصور الباحث المذهب على حقيقته يبحث عن ما يدين المذهب فيقع بالوهم.



يمكن الرجوع لقائمة مراجع (أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية) وكتاب (العلمانية) للشيخ سفر الحوالي لنجد أنه يعرض الفلسفة الغربية من خلال ما كتبه عنها مخالفوها.



الموسوعة التي أصدرتها ندوة العالم الإسلامي (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة) مثال واضح كيف أن تصور المذهب من خلال كتب المخالف يوقع في الفهم السطحي له.



مثلا عند تعريف الرمزية نجد (مذهب أدبي فلسفي ملحد)، الواقعية (مذهب أدبي فكري مادي ملحد)، وهذا ليس غريبا، حيث نجد في الموسوعة مراجع لبعض الفرق كانت كتبا ألفها مجاهيل انشقوا عن المذهب، ولك أن تتصور مقدار الدقة في العرض.



حتى تتعرف على المأساة بعمق، تُعد هذه الموسوعة مرجعا فكريا للباحثين الشرعيين في المجال الفكري!



في أول حياتي الفكرية، كان لدي تصورات مضحكة عن التيار العقلاني بسبب قراءتي لكتاب محمد حامد الناصر (العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب)، حيث اعتمد الناصر - رحمه الله - في جل مصادره على كتب المخالفين لمن اعتبرهم العصرانيين.

في المجال الشرعي المتخصص، نجد طلبة علم من المذهب الأشعري لا يعرفون عن مذهب أهل الحديث إلا ما كتبه علماؤهم في الرد عليه، وكذلك حال أهل الحديث مع الأشاعرة.



مثال آخر قريب منا، اتخذ البعض مواقف صارمة ضد حركة فتح الله غولن قبل أن يتعرف إليها لمجرد ربط حكومة إردوغان الانقلاب الفاشل بها.



كما ذكرت في البداية، ليس المشكلة متعلقة بهذا الباحث أو ذاك، وإنما في ثقافة عامة للإسلاميين للأسف وهي الإعراض عن مصادر محايدة في التعرف على الخصم.