البطالة والتعليم
يقول الشافعي، رحمه الله:
إذا حار أمرك في معنَيَيْن
ولم تدر فيما الخطا والصواب
يقول الشافعي، رحمه الله:
إذا حار أمرك في معنَيَيْن
ولم تدر فيما الخطا والصواب
الاثنين - 24 مارس 2014
Mon - 24 Mar 2014
يقول الشافعي، رحمه الله:
إذا حار أمرك في معنَيَيْن
ولم تدر فيما الخطا والصواب
فخالف هواك فإن الهوى
يقود النفوس إلى ما يُعاب
في العدد السابق أعزائي الكرام.. استعرضت معكم ثلاثة مواقف مررت بها وسببت كثيرا من الحرج، وذلك بسبب ما تم نشره عني بطرق توقع القارئ في حيرة من أمره بسبب ما يعرفه، بفضل الله معظم الناس عني، ثم بسبب ما نشر من تصريحات التهم فيها الخطأ أجزاء كثيرةً من الصواب الذى كنتُ أرمي إليه والهدف الذي كنت أرجوه من أجل الخير والمصلحة العامة.
وقرأتم معي في العدد السابق ما قاد إليه تصريح نسب إلى وزير التنمية المحلية والإدارية في مصر العزيزة.. والذي كان يعني أنني تبرعت بنصف مليار دولار في الوقت الذي كان هذا المبلغ رأسمال لمشروع اقتصادي كبير يسهم، بعون الله تعالى، في مكافحة البطالة مع توفير ملايين فرص العمل للشباب الغالي في مصر الحبيبة التي تحيطها اليوم رعاية الله ثم عناية الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
واليوم دعونا نتحدث عن الموقف الثاني: وهو بالمصادفة يتعلق بالشباب والبطالة.. وقد حدث بسبب “خطف الكبيبة من فم القدر”، وهو تعبير شعبي يعني ذلك الشخص المتسرع الذي يأخذ جزءًا من الحديث دون معرفة ما في العمق من مكونات تصنع إذا اجتمعت وجبةً شهية سهلة الهضم.
وحين كنت أتحدث في المؤتمر الصحفي الذي عقدته حول المنتدى الاقتصادي الذي أقيم في جدة خلال الفترة من 18 إلى 20 مارس.. وموضوعه الأساس “الإنماء من خلال الشباب”، تسارع بعض الإعلاميين إلى خطف جملٍ وعبارات من حديثي حين تُعرض أو تُقرأ مبتورة قد تفيد عكس المعنى أو تخرج الموضوع عن سياقه.
والحقيقة الكاملة في هذا الأمر أنني ذكرت أنهم ضحيةُ أطراف أربعة، واليوم اسمحوا لي أن أُفند هذه الأطراف:
الطرف الأول:
اخترته بدايةً لأبدأ بنفسي في تحمل جزء من هذه المسؤولية، ليس كشخص ولكن كرجل أعمال سعودي مسلم ومعي كل من يندرجُ تحت هذه الشريحة، فقد قلت: إن أصحاب الأعمال الذين لا يعطون للمواطن أولوية (بعض رجال الأعمال، ففي التعميم ظُلم وإجحاف) هذا البعض الذي لا يعي أن هدفه الأساس هو تشغيل الناس، فالإسلام وضع أولويات في هذه المسألة، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الأقرب فالأقرب ثم الجار.
ولو طبقت هذه الأولويات على واقعنا فهذا يعني أن البلد أتى بعد نفسك، “فقليل هم الذين يقدمون شيئاً واحداً على أنفسهم”.
والجار هنا على المستوى الأكبر هم الدول المحيطة بنا جغرافياً، بغض النظر عن الدين أو الملة، فالنبي، صلى الله عليه وسلم، أوصى بالجار حتى غير المسلم.
وعلى المستوى الأوسع والأشمل يأتي عادة المسلمون، ولو أن كل رجل أعمال منا أعمل واتبع سلم أولويات هذا الترتيب لما آل حالُنا إلى ما نحن فيه اليوم.
أعلم أن هذا وحده ليس الحل، ولذا ذكرت.. السبب الثانى:
وهو تدليل الآباء المفرط لأبنائهم، الأمر الذي شكل لديهم الإحساس الدائم برغبة مستمرة في النعيم والرفاهية، حتى وإن تبدل الزمان وتوسع المكان ولم يعد بالإمكان شيء مما كان.
وأذكر منذ طفولتي المبكرة وحتى مراهقتي أن معظم من كنا نتعامل معهم في شتى المهن والمجالات كانوا سعوديين.
الجزار كان سعوديا، وكذلك الفوال والنجار... الحلاق كان سعودياً... حتى قصاص الغنم والحمير... صانع الأحذية وصانع المطبق والفطير... كل أولئك كانوا من أهل البلد، نعيش معهم ويعيشون معنا، لا يستعر أحد من صنعته، يعلمها لأبنائه ولا ينفرهم منها، طالما تغنيهم عن سؤال الناس، أما اليوم فأصبحنا نحتقر المهن ونحتقر أصحابها حتى هجروها.. وتركوا صنعة آبائهم للوافدين يتكاثرون بيننا بينما أبناؤنا المرفهون مترفعون لا يفكرون حتى في المشاركة أو المبادرة.
ولهذا سبب آخر، هو نظام التعليم المهني، تلك الكارثة التي صرفت الدولة عليها المليارات وكانت النتيجة النهائية الفشل بامتياز لكل رواد هذا النوع من التعليم.
نعم، ذلك لأننا جعلناها معاهد لا يسمح بدخولها إلا للفاشلين الذين لم تؤهلهم مجاميعهم في الثانوية العامة لدخول الجامعات العامة أو المعاهد الأخرى.
فمن شبابنا نتيجة لهذه الصبغة التي صبغت بها المهن من يرفض أن يعمل ميكانيكياً بأربعة آلاف ريال في ورشة، ويفضل أن يكون كاتباً بها بألف ريال.
التعليم يا سادة يجب أن يكون بحسب القدرات والرغبات قبل أن يكون بالدرجات..
والغريب أنه ربما يكون قد فات على كثير من الآباء أن كل أنبياء الله كانوا يعملون ويأكلون من عمل أيديهم.
ألم يكن نوح، عليه السلام، نجاراً.. استهزأ به قومه وهو يصنع الفلك؟ ألم يفرقهم ذلك، وابتلعهم الطوفان.. ونجا كل من آمن وصدق ذلك النبي النجار؟
ألم يكن داود حداداً.. وصانعا للمكاتل وسلال الخوص والدروع؟
ألم يكن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، تاجر أقمشة؟
وإدريس، عليه السلام، كان خياطاً.
ثم ألم يكن منذ البدء الرجل الأول آدم، عليه السلام، مزارعاً زرع الحنطة وأكل منها في الأرض “بعد أن أخرجته من الجنة”؟
ولكم في رسول الله أسوةُ حسنةُ يا أولي الألباب..
ألم يعمل، صلى الله عليه وسلم، فترة بالرعي ثم عمل تاجراً؟!
وفى كل الأحوال، فإن مسألة التعليم التي هي أحد أهم مشاكل البطالة، سأعود إليها في مراتٍ قادمة إذا كتب الله لي ولكم عمراً ومنحنا بفضله موعداً جديدا للقاء لأحدثكم عن الموقف الحرج الثالث الذي تعرضت له بفضل خطف الكبيبة من فم القدر.
وفقنا الله لما يحب ويرضى، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.