شاهر النهاري

عوامل تكوين نزق المثقف

السبت - 03 سبتمبر 2016

Sat - 03 Sep 2016

والنَّزَقُ في لسان العرب: خفة في كل أَمر، وعجلة في جهل، وحُمْق وطيش.



وبعد نشر موضوعي (يوسف زيدان ومثقفو شبه الجزيرة العربية)، في صحيفة مكة، وردني اتصال من صديقي الباحث والكاتب الدكتور زيد الفضيل، ومقدم برنامج (مدارات) على قناة الإذاعة السعودية من جدة، وطلب مني حضور حلقة مناقشة وتشخيص لموضوع النزق الأخلاقي، والذي بدر من صاحب (الحتة الوسطانية)، كفعل، وكردود فعل غاضبة من مثقفي شبه الجزيرة العربية.



والواقع أن النزق ظاهرة بشرية تطوي كثيرا من مثقفي الدول العربية ممن يبدعون في الخروج عن صلب الموضوع، محليا كان، أو خارجيا، وأن لهم في ذلك معارك داحس والغبراء، وأن أدنى فكرة تستثيرهم، وتطلق من أجوافهم حمم سعير من سجيل، وقبحا يسيء إلى أي عمق ثقافي يمثلونه.



يحدث ذلك بعد أي خبر أو حدث مستفز، نراه بعد مباراة كرة قدم، أو برنامج حواري، فيجهلون فوق جهل الجاهلين، ويستمر تراشقهم، حتى تتعاظم القضايا، وتصبح الأعين دامية، مشوهة، لا يمكن أن تستوضح أو تبني حضارة.



ونزق المثقفين تكويني ينتج عن:



1. القصور العقلي المنهجي في استيعاب الحدث.



2. الجهل أو الخجل من مجريات التاريخ.



3. مشاعر بداوة وقبلية وهجاء ودموية مختبئة بالأنفس؟.



4. مشاعر غل وانتقام من بعض أصحاب العرقيات نتيجة فقد خصائص حضاراتهم القديمة، بمجيء الإسلام.



5. المثقف العربي مأزوم بثقافة، تنخفض فيها سقوف الحرية، ويُحرم السؤال، وتضيق الزوايا، مما يجعله مثل أسد هصور في قفصه، يتحفز لفرائس النزق.



6. سيطرة الأوضاع المادية لدول ومنظمات ومثقفي الخليج على المشهد، تجعل بعض مثقفي الدول العربية، في حالات مقارنة، وحسد وتشكيك بمعطيات الآخر.



7. المثقف العربي غالبا شخصية قلقة اليقين، خاضعة لتعدد الآراء الفقهية والمذهبية، وتناقضها وتطاحنها على مدى تراثه وتاريخه القديم، وتأثر خطواتها بالسلطات الوقتية المهيمنة.



8. النزق تربية عربية أسرية اجتماعية، فالوالد لا يتحمل رأي ابنه المختلف، وينقلب بنزقه وحشا لتأديب المتمرد حسب وجهة نظره، وليشكمه ويمنعه من مزاولة التفكير الحر، وليضمن تماهيه مستقبلا مع أفراد مجتمعات القطيع، فيهز رأسه، عندما لا يعود يفهم، ويغمض عينيه، عندما يسطع فيها الضياء.



العلاقات الثقافية بين مثقفي الجزيرة، ومثقفي الأعراق الأخرى، تحكمها مجاملات غير متينة، وتغيرها السياسة بأسرع وقت، وتتأثر بالإغراءات المادية، لذلك لا تدوم في الغالب، ولا نرى فيها سمات هدوء العلماء، وتبصرهم، وبحثهم، وتقبلهم للرأي الآخر؛ ولا نأمن للثقة والمصداقية والتمهيد والحجة والإقناع، وتقبل الرأي الآخر، والبحث في المستمسكات التاريخية؟.



كل خلاف بينهم ينقلب إلى قدح وردح، ويتحول لنزال، والنزال إلى همجية ودموية، ولنا الصدر دون العالمين أو القبر؟.



النزق طبع يتغذى بالنعرات، ويكتمل حين يخرج المثقف من احترامه لذاته ويفرغ ما بجوفه، على وجه الآخر، متأملا أن تستقر حموضته، ويزول قلقه وشعوره بالنقص، عندما يمسح بتاريخ ومعطيات مخالفه الأرض.



النزق حينما يصبح عادة لتفاعل المثقفين، فكيف يرتجى منهم رسم فكر أمة؟.



ومجتمع يعيش بينهم لا بد أن يصبح له مفهوم النزق الجماعي، يتربى على عقد النقص، ويحتقر الغير، وينظر إلى الوراء، وينزه الذات عن كل العيوب.



[email protected]