أزمة السكان قبل أزمة الإسكان

وصفت الجزيرة العربية في القديم والحديث حتى عام 1350هـ بأنها كانت تضيق بسكانها فتقذف بهم إلى العالم المفتوح أمامهم في هجرة منتظمة هربا منها إلى جهات الدنيا الأربع

وصفت الجزيرة العربية في القديم والحديث حتى عام 1350هـ بأنها كانت تضيق بسكانها فتقذف بهم إلى العالم المفتوح أمامهم في هجرة منتظمة هربا منها إلى جهات الدنيا الأربع

الأربعاء - 12 مارس 2014

Wed - 12 Mar 2014



وصفت الجزيرة العربية في القديم والحديث حتى عام 1350هـ بأنها كانت تضيق بسكانها فتقذف بهم إلى العالم المفتوح أمامهم في هجرة منتظمة هربا منها إلى جهات الدنيا الأربع.

كلما زاد عدد سكانها عن طاقتها الاستيعابية دفعت بهم إلى خارجها برحلة مستمرة حتى وصفت بأنها كالرحم تنجب ولا تقوت، ومن حسن حظ سكانها في القديم أن الطرق أمامهم سالكة المعابر حتى البحر كان مطيعا للرحلة المغادرة حيثما توجهوا إلا أن ثقلهم كان إلى الأرض المفتوحة كالعراق والشام ومصر وما بعدها.

وقد شكا الدكتور علي الوردي من تأثير الهجرات الضخمة من الجزيرة العربية إلى العراق على الحياة فيه، وتأخير مسار العراق الحضاري والثقافي بعد كل موجة بشرية جديدة آتية من الجزيرة.

ولكن دوام الحال من المحال كما يقول المثل فقد انعكس الأمر بعد الثورة النفطية الهائلة التي عصرتها مئات الآلاف من السنين في باطن الجزيرة وانشقت عنها في لحظة تاريخية لم يسبق لها مثيل.

من هنا بدأ الاستقرار الدائم لسكانها والنمو وبدأت الهجرات المعاكسة إليها وصار الحديث المهم عن الواقع الحاضر والمستقبل، وليس التاريخ والماضي.

لقد جلب النفط معه غير الهجرة المعاكسة ثراءا كبيرا واستقرارا في الوضع العام ونموا كثيرا في عدد السكان الذين كانوا قبل النفط أو الذين جاؤوا بعده، وأصبحت الجزيرة مأوى الأفئدة، وهنا يكون موضع الحكاية السكانية وهي ليست حكاية الجزيرة العربية وحدها لكن حكاية العالم كله فمنذ أيام ذكرت قوقل: أن العالم احتاج مئتي ألف عام ليصل عدد سكانه إلى ثلاثة مليارات، وفي أربعين سنة أضاف ثلاثة مليارات إلى رصيده البشري الهائل، هذا العالم.

أما نحن في المملكة فحسب إحصاء عام 1974هـ كان عدد السكان سبعة ملايين نسمة، وفي هذا العام تجاوز العدد ثلاثين مليونا، أي أنه في ثلاثين عاما تضاعف العدد أربع مرات وهي نسبة عالية في كل المقاييس.

ولم يستطع أحد أن يطرح رأيا يبين فيه النتائج السلبية التي ستواجهنا في المستقبل بل بدأت مقدماتها فيما يحصل من بطالة بين الشباب وتكدس في التعليم ورداءة في مخرجاته وعجز في المرافق الصحية والرعاية الاجتماعية.

والأخطر من ذلك أن ستين في المئة من المواطنين هم شباب لم يبلغوا سن العمل بعد.

ونحن لم نعمل شيئا لا للحد من النمو الكبير للسكان من جانب، ولا لمواجهته بخطط وبرامج مستقبلية قد تخفف مما سيواجهه المجتمع عندما يتضاعف العدد بعد سنوات قليلة قادمة.

إن الانفجار السكاني الذي ستواجهه المملكة خلال العقود القليلة القادمة هو الخطر الحقيقي، وهو القنبلة الموقوتة التي لا يعمل أحد على إبطال مفعولها في هذا الوقت.

وكل يعرف ذلك ويدرك خطره على مستقبلنا، وكل لا يريد المواجهة لحل المشكلة لأن هناك من يقول لا.

ولكن الجميع ينتظرون الوقت لحلها كعادتنا نترك القضايا المزعجة لحلول الزمن التي قد لا تكون في صالحنا في كل الأوقات.

[email protected]