يوسف زيدان والأخطاء الأربعة
الأربعاء - 31 أغسطس 2016
Wed - 31 Aug 2016
يوسف زيدان – كما نبهت في المقال السابق - يتميز بتعمقه في فلسفة التصوف، وتاريخ الطب العربي، ولديه مقدرة روائية في كتابة الرواية التاريخية، لكنه يطرح نفسه خبيرا في كل شيء كما هي عادة كثير من المثقفين العرب، ومن البدهي
أن من تكلم كثيرا في كل شيء كثُر سقطه كما تقول الحكمة العربية المشهورة، ففي مقطع له لا يتعدى دقيقة ونصف في ندوة شارك فيها في مهرجان (ثويزا) بمدينة طنجة صدرت منه أربعة أخطاء تاريخية لا يقع فيه أي مطلع على التاريخ العربي بلْهَ الملم به، الخطأ الأول: أنه قال: إن الأزهر كان مركز الإشعاع العلمي في مصر في العهد الشيعي الفاطمي وفي العهود السنية بعد ذلك الأيوبي والمملوكي والعثماني.
والحق أنه بعد تحول السلطة في مصر إلى سنية على يد صلاح الدين فقد الأزهر دوره، وعطلت فيه صلاة الجمعة على مدى قرن كامل، من عام 567هـ إلى عام 665هـ حيث عادت له في أيام المماليك، ومع عودة صلاة الجمعة إليه فقد ظلَّت منزلته مثل أي جامع آخر، أو أقل، ولهذا فحينما كان ابن حجر العسقلاني إماما له قايض شمس الدين محمد بن يحيى الذي كان يتولى نصف إمامة وخطابة جامع عمرو بن العاص، ثم استكمل ابن حجر وظيفة إمامة وخطابة الجامع بعد ذلك، حيث تنازل له بدر الدين محمد بن مجد الدين البرماوي عن نصفها الآخر. وأما مشيخة الأزهر فهي متأخرة جدا، نشأت في القرن الحادي عشر الهجري.
والخطأ الثاني: زعمه أنه لم يكن لأهل الجزيرة العربية دور في تدوين اللغة، وهذا جهل منه بالتاريخ، فمع أن أهل الجزيرة لم يكن بهم حاجة لتدوين اللغة والتقعيد لها؛ لأنهم أهلها إلا أنهم من أوائل من ساهموا في تعليمها، فعن ابن عباس دونت رسالة في لغات القرآن، وعنه أيضًا دونت مسائل ابن الأزرقّ، وهي في تفسيرِ غريب القرآن بالاستشهاد بكلام العرب.
ونص ابن برهان (ت 456 هـ) في كتابه (شرح اللمع) على أن النحويين جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيون، وكوفيون، وبصريون، ويروي سيبويه عن الخليل بعض الآراء النحوية عن نحاة أهل المدينة، ويورد الفراء في كتابه (معاني القرآن) رأيا لمن يسميهم تارة بـ(نحويي المدينة)، وتارة أخرى بـ(نحويي الحجاز)، ويورد أبوحيان رأي نحاة المدينة ببعض المصطلحات كضمير الفصل، قال: «ويسميه الفراء وأكثر الكوفيين عمادًا، وبعض الكوفيين يسميه دعامة، ويسميه المدنيون صفة»، وقال أبوحاتم السجستاني (ت 248 هـ): «كان في المدينة علي الملقب بـ(الجمل) وضع كتابا في النحو ...، وأظن الأخفش هذا وضع كتابا في النحو منه»، وقال ابن عساكر عن عالم يسمى عبدالعزيز، ويلقب بشكت: «أخذ النحو عن أهل المدينة».
وثمة علماء برزوا بالنحو من أهل الحجاز لا تسمح مساحة المقال لإيرادهم، وحسبك أن تعلم أن أبا عمرو بن العلاء (ت 154 هـ)، وهو من أهم علماء اللغة الأوائل أخذ اللغة العربية عن ابن كثير المكي القارئ المشهور، ويمكن الرجوع في هذا لبحث (أصول علم العربية في المدينة) للأستاذ الدكتور عبدالرزاق الصاعدي المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ففيه استقصاء كامل لجهود نحاة المدينة في تقعيد اللغة.
الطريف أن يوسف زيدان ذكر أن الأمازيغ ممن ساهم في تدوين اللغة والتقعيد لها، ومساهمة الأمازيغ تأخرت جدا إلى القرن الخامس الهجري، ولا أدري هل قال ذلك جهلا منه أو مجاملة لمضيفه في طنجة؟!
الخطأ الثالث: زعمه أن أصل العرب من اليمن، ومنه تفرقوا، ولا نطيل في هذا، فهذه مقولة لا يقولها من له إلمام قليل بعلم التاريخ، فالعرب العدنانية لم يكونوا يوما من الأيام من أهل اليمن.
الخطأ الرابع: زعمه أن أهل وسط الجزيرة (الحجاز ونجد والأحساء) في الجاهلية لم يكن لهم أي حضارة، وكانوا مجرد (سرَّاق إبل)، والكلام عن هذا الخطأ سيكون في مقال كامل إن شاء الله.
[email protected]
أن من تكلم كثيرا في كل شيء كثُر سقطه كما تقول الحكمة العربية المشهورة، ففي مقطع له لا يتعدى دقيقة ونصف في ندوة شارك فيها في مهرجان (ثويزا) بمدينة طنجة صدرت منه أربعة أخطاء تاريخية لا يقع فيه أي مطلع على التاريخ العربي بلْهَ الملم به، الخطأ الأول: أنه قال: إن الأزهر كان مركز الإشعاع العلمي في مصر في العهد الشيعي الفاطمي وفي العهود السنية بعد ذلك الأيوبي والمملوكي والعثماني.
والحق أنه بعد تحول السلطة في مصر إلى سنية على يد صلاح الدين فقد الأزهر دوره، وعطلت فيه صلاة الجمعة على مدى قرن كامل، من عام 567هـ إلى عام 665هـ حيث عادت له في أيام المماليك، ومع عودة صلاة الجمعة إليه فقد ظلَّت منزلته مثل أي جامع آخر، أو أقل، ولهذا فحينما كان ابن حجر العسقلاني إماما له قايض شمس الدين محمد بن يحيى الذي كان يتولى نصف إمامة وخطابة جامع عمرو بن العاص، ثم استكمل ابن حجر وظيفة إمامة وخطابة الجامع بعد ذلك، حيث تنازل له بدر الدين محمد بن مجد الدين البرماوي عن نصفها الآخر. وأما مشيخة الأزهر فهي متأخرة جدا، نشأت في القرن الحادي عشر الهجري.
والخطأ الثاني: زعمه أنه لم يكن لأهل الجزيرة العربية دور في تدوين اللغة، وهذا جهل منه بالتاريخ، فمع أن أهل الجزيرة لم يكن بهم حاجة لتدوين اللغة والتقعيد لها؛ لأنهم أهلها إلا أنهم من أوائل من ساهموا في تعليمها، فعن ابن عباس دونت رسالة في لغات القرآن، وعنه أيضًا دونت مسائل ابن الأزرقّ، وهي في تفسيرِ غريب القرآن بالاستشهاد بكلام العرب.
ونص ابن برهان (ت 456 هـ) في كتابه (شرح اللمع) على أن النحويين جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيون، وكوفيون، وبصريون، ويروي سيبويه عن الخليل بعض الآراء النحوية عن نحاة أهل المدينة، ويورد الفراء في كتابه (معاني القرآن) رأيا لمن يسميهم تارة بـ(نحويي المدينة)، وتارة أخرى بـ(نحويي الحجاز)، ويورد أبوحيان رأي نحاة المدينة ببعض المصطلحات كضمير الفصل، قال: «ويسميه الفراء وأكثر الكوفيين عمادًا، وبعض الكوفيين يسميه دعامة، ويسميه المدنيون صفة»، وقال أبوحاتم السجستاني (ت 248 هـ): «كان في المدينة علي الملقب بـ(الجمل) وضع كتابا في النحو ...، وأظن الأخفش هذا وضع كتابا في النحو منه»، وقال ابن عساكر عن عالم يسمى عبدالعزيز، ويلقب بشكت: «أخذ النحو عن أهل المدينة».
وثمة علماء برزوا بالنحو من أهل الحجاز لا تسمح مساحة المقال لإيرادهم، وحسبك أن تعلم أن أبا عمرو بن العلاء (ت 154 هـ)، وهو من أهم علماء اللغة الأوائل أخذ اللغة العربية عن ابن كثير المكي القارئ المشهور، ويمكن الرجوع في هذا لبحث (أصول علم العربية في المدينة) للأستاذ الدكتور عبدالرزاق الصاعدي المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ففيه استقصاء كامل لجهود نحاة المدينة في تقعيد اللغة.
الطريف أن يوسف زيدان ذكر أن الأمازيغ ممن ساهم في تدوين اللغة والتقعيد لها، ومساهمة الأمازيغ تأخرت جدا إلى القرن الخامس الهجري، ولا أدري هل قال ذلك جهلا منه أو مجاملة لمضيفه في طنجة؟!
الخطأ الثالث: زعمه أن أصل العرب من اليمن، ومنه تفرقوا، ولا نطيل في هذا، فهذه مقولة لا يقولها من له إلمام قليل بعلم التاريخ، فالعرب العدنانية لم يكونوا يوما من الأيام من أهل اليمن.
الخطأ الرابع: زعمه أن أهل وسط الجزيرة (الحجاز ونجد والأحساء) في الجاهلية لم يكن لهم أي حضارة، وكانوا مجرد (سرَّاق إبل)، والكلام عن هذا الخطأ سيكون في مقال كامل إن شاء الله.
[email protected]