الشاه كولن
الأربعاء - 31 أغسطس 2016
Wed - 31 Aug 2016
من حظي بفرصة مشاهدة المؤتمر الصحفي الذي ضم الرئيس التركي إردوغان ونائب الرئيس الأمريكي بايدن ستعود به الذاكرة لحدثين، الأول: الموقف الأمريكي غير المقنع من ضرورة تنحي المالكي عن الحكم في العراق، والثاني: طلب الولايات المتحدة من شاه إيران السابق مغادرة أراضيها كونه «شخصية غير مرغوب فيها Persona non grata».
فنائب الرئيس بايدن افترض أن الاعتذار العلني سيزيل التوتر القائم بين الإدارتين الأمريكية والتركية. إلا أن الرئيس إردوغان كان له رأي آخر في إدارة اللقاء ومخرجاته سياسيا، لدرجة دفعه لبايدن دفعا لإلقاء محاضرة امتدت لدقائق حول معنى الفصل بين السلطات ومكانة القضاء في منظومة إدارة الجمهورية الأمريكية. محاولة بايدن اتسمت بالبؤس في محاولته التملص من خانة «اليك» التركية، فالاعتذار الرسمي، مقرونا ببعض التنازلات في سوريا، لم يكن كل مبتغى إردوغان من الولايات المتحدة المهادنة، فالرئيس التركي قرر المضي إلى أقصى حد في توظيف الموقف لما يشبه المثول بين يدي سلطان الباب العالي الجديد، فالنوستالجيا تشغل الحيز الأكبر من شخصية إردوغان السياسية.
على الجانب الآخر يحتار المراقب في قراءة مظاهر استعراض القوة الإردوغانية تركيا وإقليميا منذ الانقلاب الفاشل، فسيطرته المطلقة على المشهد السياسي عبر المهرجانات الخطابية يوميا قد تقرأ كدلالة توجسه من المؤسسة العسكرية بعد مغالاته «النسبية» في الانتقام المعنوي منها، لذلك يستمر هو في احتلال الشوارع بالمهرجانات الخطابية تحسبا من محاولة جديدة.
ويستمر كذلك في توظيف كل ملكاته في تحجيم خصومه السياسيين من داخل الحزب وخارجه عبر مناورات إقصائية طالت حتى حلفاء الأمس القريب. إلا أن مشروعه السياسي يستمر في التعثر بالمؤسس أتاتورك قبل دستور الجمهورية العلماني، لذلك نجده قرر ترحيل تلك المواجهة إلى بعد حين ومواصلة الخطوات التنفيذية اللازمة لإكمال مشروعه السياسي برلمانيا وفي تصفية خصمه الأول الآن عبدالله كولن كجزء أساسي من استعراض القوة مع الولايات المتحدة.
إلا أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية مستقبلية، إن هو أخفق، وبذلك يكون أمام خصمين هما أتاتورك وعبدالله كولن، وذلك تحديدا هو مصدر قلق حلفاء تركيا الغربيين، حيث بات جميعهم متفقين في القراءة السياسية لإردوغان من عدة ملفات. ففي حين يقر جميعهم بالمصالح التركية نجدهم يستغربون الموقف التركي من الملف السوري بكل أبعاده بعد المصالحة الروسية.
فنائب الرئيس بايدن كان مهندس الملف السياسي العراقي، بما في ذلك التوافق على رئيس الوزراء العبادي، وها هو ينتدب الآن من قبل الرئيس أوباما لمعالجة التوتر القائم بين أنقرة وواشنطن، والذي قد يفضي لاختلالات استراتيجية في حوض المتوسط. الجزء الأصعب في مهمة بايدن كان في إقناع الرئيس التركي بإخراج المقارنة بين تركيا وإيران في الاستراتيجية الأمريكية في كل من الشرقين الأوسط والأدنى، بالإضافة إلى آسيا الوسطى.
فمكانة احتواء إيران، من حيث الأولية أمريكيا، مقدمة الآن على مواجهة مخاوف حلفائها في الناتو. فالطموح التركي يتعدى الشرق الأوسط العربي ليمتد إلى القرن الأفريقي، بالإضافة لآسيا الوسطى، وفي ذلك تعارض والرؤية الأمريكية لأمن واستقرار آسيا الوسطى والشرق الأدنى، فالمعادلة الأمريكية تقضي بأن يكون لإيران الدور الريادي في آسيا الوسطى والشرق الأدنى ضمن استراتيجية «الاحتواء الإيجابي».
لذلك هي مطلقة اليد في أفغانستان وبمستويات تنسيق ثنائي غير مسبوق (أمنيا واستخباريا)، حيث كان الأكثر حيوية في إنجاح غزو أفغانستان. كذلك لاتصالها الجغرافي الأكبر بدول حوض قزوين على عكس تركيا، ناهيك عن القواسم الثقافية والتاريخية، لذلك نجدنا اليوم أمام حالة تبرم تركي من الموقف الأمريكي أولا والأوروبي ثانيا. أما العربي فتلك قصة أخرى لرفض أقطابه شكل العلاقات العربية التركية التي يطمح إليها الرئيس إردوغان لاعتبارات تاريخية أولا، وسياسية كذلك رغم المحاولات غير الموفقة في توظيفه للورقة «السنية» سياسيا.
الجميع قد يتفهم الرغبة التركية في استعراض قدراتها بكل الأشكال ضمن حالة عدم الاستقرار القائمة الآن، بما في ذلك القوة العسكرية ميدانيا في سوريا خصوصا بعد الانقلاب الفاشل. إلا أن على الرئيس إردوغان وطنيا أن يحدد دور المؤسسة العسكرية، فهل هي الآن مؤسسة يحدد مهامها الدستور أم هي أداة تنفيذية خاصة من أدوات الرجل القوي. ربما قد تمثل سوريا المخرج الأمثل للحالة التركية الآن، لكن مخاطر انتقالها للداخل التركي لتوافر الكثير من الشروط الموضوعية ستظل قائمة كذلك.
لذلك قد يتعين على الرئيس التركي معاودة ترتيب أوراقه، وقد تكون مخرجات جنيف 1 خياره الاستراتيجي الأمثل، بالضبط مثلما فعل عندما عدل عن قرار إزالة صورة أتاتورك من القصر الجمهوري الجديد.
[email protected]
فنائب الرئيس بايدن افترض أن الاعتذار العلني سيزيل التوتر القائم بين الإدارتين الأمريكية والتركية. إلا أن الرئيس إردوغان كان له رأي آخر في إدارة اللقاء ومخرجاته سياسيا، لدرجة دفعه لبايدن دفعا لإلقاء محاضرة امتدت لدقائق حول معنى الفصل بين السلطات ومكانة القضاء في منظومة إدارة الجمهورية الأمريكية. محاولة بايدن اتسمت بالبؤس في محاولته التملص من خانة «اليك» التركية، فالاعتذار الرسمي، مقرونا ببعض التنازلات في سوريا، لم يكن كل مبتغى إردوغان من الولايات المتحدة المهادنة، فالرئيس التركي قرر المضي إلى أقصى حد في توظيف الموقف لما يشبه المثول بين يدي سلطان الباب العالي الجديد، فالنوستالجيا تشغل الحيز الأكبر من شخصية إردوغان السياسية.
على الجانب الآخر يحتار المراقب في قراءة مظاهر استعراض القوة الإردوغانية تركيا وإقليميا منذ الانقلاب الفاشل، فسيطرته المطلقة على المشهد السياسي عبر المهرجانات الخطابية يوميا قد تقرأ كدلالة توجسه من المؤسسة العسكرية بعد مغالاته «النسبية» في الانتقام المعنوي منها، لذلك يستمر هو في احتلال الشوارع بالمهرجانات الخطابية تحسبا من محاولة جديدة.
ويستمر كذلك في توظيف كل ملكاته في تحجيم خصومه السياسيين من داخل الحزب وخارجه عبر مناورات إقصائية طالت حتى حلفاء الأمس القريب. إلا أن مشروعه السياسي يستمر في التعثر بالمؤسس أتاتورك قبل دستور الجمهورية العلماني، لذلك نجده قرر ترحيل تلك المواجهة إلى بعد حين ومواصلة الخطوات التنفيذية اللازمة لإكمال مشروعه السياسي برلمانيا وفي تصفية خصمه الأول الآن عبدالله كولن كجزء أساسي من استعراض القوة مع الولايات المتحدة.
إلا أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية مستقبلية، إن هو أخفق، وبذلك يكون أمام خصمين هما أتاتورك وعبدالله كولن، وذلك تحديدا هو مصدر قلق حلفاء تركيا الغربيين، حيث بات جميعهم متفقين في القراءة السياسية لإردوغان من عدة ملفات. ففي حين يقر جميعهم بالمصالح التركية نجدهم يستغربون الموقف التركي من الملف السوري بكل أبعاده بعد المصالحة الروسية.
فنائب الرئيس بايدن كان مهندس الملف السياسي العراقي، بما في ذلك التوافق على رئيس الوزراء العبادي، وها هو ينتدب الآن من قبل الرئيس أوباما لمعالجة التوتر القائم بين أنقرة وواشنطن، والذي قد يفضي لاختلالات استراتيجية في حوض المتوسط. الجزء الأصعب في مهمة بايدن كان في إقناع الرئيس التركي بإخراج المقارنة بين تركيا وإيران في الاستراتيجية الأمريكية في كل من الشرقين الأوسط والأدنى، بالإضافة إلى آسيا الوسطى.
فمكانة احتواء إيران، من حيث الأولية أمريكيا، مقدمة الآن على مواجهة مخاوف حلفائها في الناتو. فالطموح التركي يتعدى الشرق الأوسط العربي ليمتد إلى القرن الأفريقي، بالإضافة لآسيا الوسطى، وفي ذلك تعارض والرؤية الأمريكية لأمن واستقرار آسيا الوسطى والشرق الأدنى، فالمعادلة الأمريكية تقضي بأن يكون لإيران الدور الريادي في آسيا الوسطى والشرق الأدنى ضمن استراتيجية «الاحتواء الإيجابي».
لذلك هي مطلقة اليد في أفغانستان وبمستويات تنسيق ثنائي غير مسبوق (أمنيا واستخباريا)، حيث كان الأكثر حيوية في إنجاح غزو أفغانستان. كذلك لاتصالها الجغرافي الأكبر بدول حوض قزوين على عكس تركيا، ناهيك عن القواسم الثقافية والتاريخية، لذلك نجدنا اليوم أمام حالة تبرم تركي من الموقف الأمريكي أولا والأوروبي ثانيا. أما العربي فتلك قصة أخرى لرفض أقطابه شكل العلاقات العربية التركية التي يطمح إليها الرئيس إردوغان لاعتبارات تاريخية أولا، وسياسية كذلك رغم المحاولات غير الموفقة في توظيفه للورقة «السنية» سياسيا.
الجميع قد يتفهم الرغبة التركية في استعراض قدراتها بكل الأشكال ضمن حالة عدم الاستقرار القائمة الآن، بما في ذلك القوة العسكرية ميدانيا في سوريا خصوصا بعد الانقلاب الفاشل. إلا أن على الرئيس إردوغان وطنيا أن يحدد دور المؤسسة العسكرية، فهل هي الآن مؤسسة يحدد مهامها الدستور أم هي أداة تنفيذية خاصة من أدوات الرجل القوي. ربما قد تمثل سوريا المخرج الأمثل للحالة التركية الآن، لكن مخاطر انتقالها للداخل التركي لتوافر الكثير من الشروط الموضوعية ستظل قائمة كذلك.
لذلك قد يتعين على الرئيس التركي معاودة ترتيب أوراقه، وقد تكون مخرجات جنيف 1 خياره الاستراتيجي الأمثل، بالضبط مثلما فعل عندما عدل عن قرار إزالة صورة أتاتورك من القصر الجمهوري الجديد.
[email protected]