الطائفية بين (داعش) و (حالش/ حزب الله)

يذكر المؤرخون في أحداث سنة 443هـ ببغداد -بعد أن تولى السلطة آنذاك حكام شيعة، وهم السلاطين البويهيون- أن أهل الكرخ الشيعة أصبح لهم حضور طاغٍ في الحياة الدينية لبغداد، بعد أن كانوا مستضعفين أمام الحنابلة، ولهذا شرعوا بالكتابة على أبراج محلة السماكين والقلائين: محمدٌ وعليٌ خيرُ البشر، فمن رضي فقد شكر، ومنْ أبى فقد كفر، فثار الحنابلة -وهم يشكلون مع الشيعة غالبية سكان بغداد آنذاك- وهجموا على أحياء الشيعة، ثم نشب الصراع بين الطائفتين حتى أُحرِقَتْ أماكن البيع والشراء، وامتنع الناس عن الخروج من بيوتهم، ثم في يوم عاشوراء خرج الشيعة بخيول وأعلام وطبول يمثلون وقعة قتل الحسين، فرد عليهم الحنابلة بإركاب امرأة على جمل، يمثلون بذلك جيش عائشة يوم الجمل، وقد استمرت هذه الفتن الطائفية بضع سنوات، تشتعل ثم تهدأ

يذكر المؤرخون في أحداث سنة 443هـ ببغداد -بعد أن تولى السلطة آنذاك حكام شيعة، وهم السلاطين البويهيون- أن أهل الكرخ الشيعة أصبح لهم حضور طاغٍ في الحياة الدينية لبغداد، بعد أن كانوا مستضعفين أمام الحنابلة، ولهذا شرعوا بالكتابة على أبراج محلة السماكين والقلائين: محمدٌ وعليٌ خيرُ البشر، فمن رضي فقد شكر، ومنْ أبى فقد كفر، فثار الحنابلة -وهم يشكلون مع الشيعة غالبية سكان بغداد آنذاك- وهجموا على أحياء الشيعة، ثم نشب الصراع بين الطائفتين حتى أُحرِقَتْ أماكن البيع والشراء، وامتنع الناس عن الخروج من بيوتهم، ثم في يوم عاشوراء خرج الشيعة بخيول وأعلام وطبول يمثلون وقعة قتل الحسين، فرد عليهم الحنابلة بإركاب امرأة على جمل، يمثلون بذلك جيش عائشة يوم الجمل، وقد استمرت هذه الفتن الطائفية بضع سنوات، تشتعل ثم تهدأ

الخميس - 06 مارس 2014

Thu - 06 Mar 2014



يذكر المؤرخون في أحداث سنة 443هـ ببغداد -بعد أن تولى السلطة آنذاك حكام شيعة، وهم السلاطين البويهيون- أن أهل الكرخ الشيعة أصبح لهم حضور طاغٍ في الحياة الدينية لبغداد، بعد أن كانوا مستضعفين أمام الحنابلة، ولهذا شرعوا بالكتابة على أبراج محلة السماكين والقلائين: محمدٌ وعليٌ خيرُ البشر، فمن رضي فقد شكر، ومنْ أبى فقد كفر، فثار الحنابلة -وهم يشكلون مع الشيعة غالبية سكان بغداد آنذاك- وهجموا على أحياء الشيعة، ثم نشب الصراع بين الطائفتين حتى أُحرِقَتْ أماكن البيع والشراء، وامتنع الناس عن الخروج من بيوتهم، ثم في يوم عاشوراء خرج الشيعة بخيول وأعلام وطبول يمثلون وقعة قتل الحسين، فرد عليهم الحنابلة بإركاب امرأة على جمل، يمثلون بذلك جيش عائشة يوم الجمل، وقد استمرت هذه الفتن الطائفية بضع سنوات، تشتعل ثم تهدأ..

هذا الصراع الطائفي كان مفهومًا في سياقه التاريخي، إذ إن الدولة في القرون الوسطى مشروعيتها مُسْتَمدةٌ من حمايتها للدين الذي يمثله المذهب الديني للأكثرية، وهذا -بالضرورة- سيجعل المخالفين لـ(مذهب الدولة) في خانة الخصوم، ومتى ما تغير مذهبُ السلطة فسيتبعه تغيرُ المعادلة، وليس هذا خاصًا بتاريخنا، فهذا المنطق كان يحكم العالم كله آنذاك، وقد اكتوت منه أوروبا في حروب طائفية امتدت لمئات السنين حتى تواضعت شعوبها على تحويل الدولة إلى دولة مواطنة حامية للتعددية، لكن منطقتنا العربية مازالت (خارج التاريخ)، فجحافل الحنابلة والشيعة التي كانت تتصارع في حرب شوارع بغداد في القرن الرابع الهجري مازال ورثتها (داعش)، و(حالش) -وهو رمز مختصر لـ(حزب الله الشيعي)، تستعمله وسائل الإعلام- يمارسون اللعبة الخطرة نفسها، وهذه المرة ميدان الصراع في الشام، وسلاح المعركة قنابل، ورشاشات، وألغام.

وإذا كانت (داعش) ببدائيتها وسذاجتها السياسية تعلن عن خطاب طائفي فاقع، فإن (حالش/ حزب الله) يمارس اللعبة نفسها، فخطابه الإعلامي مغموس بالتنظير الديني من وجهة نظر طائفية، فالسوريون الثائرون ـ حسب قاموس الحزب ـ هم (تكفيريون)، والهدف من الدخول في المعركة حماية (عتبات مقدسة) للطائفة، وتسمية الألوية بأسماء تعبر عن الولاء للطائفة (كتيبة حيدر)، (كتيبة الأشتر)، والعصائب التي يرتديها حملة نعوش قتلى الحزب مطرزة بعبارات تذكر بمأساة كربلاء (لبيك يا حسين)..

ولماذا نذهب بعيدًا في تعداد الدلائل على طائفية حزب (حالش)؟! فإن تأسيس حزب سياسي ببرنامج مغلق على مذهب ديني في دولة حديثة هو ممارسة طائفية، لا يختلف في هذا قولان، حسب تعبير الفقهاء.

وإذا كان الحزب يبذل جهودًا مستميتة على أن يكون خطابه (المعلن) غير طائفي إلا أن طول أمد المعركة، وكثرة سقوط القتلى في صفوفه دفعه لتجييش أنصاره من (الطائفة) بالأناشيد الحماسية التي تخاطب فيهم (العقل الجمعي) للطائفة، فقد صَدَحَ منشدُهُ بنشيد طائفي أثار ضجة كبيرة لمضمونه الطائفي الصارخ والصادم، ففيه يصف السوريين المدافعين عن بعض القرى السورية على حدود لبنان (وهم ليسوا داعشيين) بأنهم تكفيريون، ويقرنهم باليهود، ويتحدث عن قائدهم (حيدر)، أي علي بن أبي طالب، ووعد المهدي الغائب -حسب عقيدة الشيعة- لهم بالنصر، فيقول النشيد ـ كما أورده موقع (سي إن إن بالعربية)، وعلق على ذكر ألفاظ (المهدي، واليهود) بأنها تعبير طائفي ـ : «حزبَ الله برجالِكْ جُودْ...وارجعْ بالنصرِ الموعودْ/ يَا مْقاومْ رُوحْ الله معكْ...القصيِّرْ بتِشْهَدْ والنبكْ/ نِحـْنَ رْجَال الحزب الغالبْ...بنتحدى الموتُ ومَا نْـهَابْ/ لنصرَ الله نلبي الواجبْ...همة حيدر داحي البابْ/ مهدِّينَا النصر الموعودْ...اسأل عن ماضينا وعُودْ/ حطَّمنَا جيشَ اليهودْ...وهلَّقْ دوركْ بيبرود)، إنها -بحق ومن دون رتوش- النسخة العصرية من الفتنة الطائفية التي انخرط فيها الحنابلة والشيعة في بغداد في القرن الرابع، فالفكرة نفسها، والهدف نفسه، إلا أن اللاعبين هذه المرة هم (داعش) و(حالش).

[email protected]