خالد العويجان

تضميد جراح سوريا في العاصمة التي لا تنام

الاثنين - 13 يناير 2025

Mon - 13 Jan 2025

تناول الجراح مشرطه، أمامه عمل كبير. الهدف هو الوقوف أمام الموت، وتضميد الجراح، وهي أكبر مما يخال للبعض، ومجموعة من الأطباء جاهزون، ارتدوا أقنعتهم ورداء العمليات، وطهروا أيديهم، أضيئت الإنارة الحمراء، حان وقت العمل، الدخول ممنوع، والخروج كذلك، المهمة ليست مستحيلة؛ لكنها صعبة للغاية.

جاء الصحافيون من كل بقاع الدنيا لمواكبة الحدث، يريدون التقاط كلمة لصناعة العناوين، يهرول المصورون أيضا للحصول على نظرة من أحد الأطباء، قد تبني تلك اللقطة ما لا يمكن أن تبنيه مئات القصص.

ما سأتناوله هذا اليوم يشبه إلى حد كبير عملية جراحية معقدة لشخص يحتضر، نظير قدر الإصابات التي تلقاها جسده. وأقصد الاجتماع العربي - الدولي بشأن سوريا؛ والذي احتضنته العاصمة الرياض الأحد الماضي.

وللحديث عن ذلك الاجتماع الكبير، يجب النظر إلى الأسباب التي قادت المملكة العربية السعودية لاحتضانه ودعمه. لماذا؟ لأن الرياض تستشعر مواجع الشعب السوري، التي يعيشها منذ عشرات السنين. وفي الحقيقة وبلغة مباشرة، لم تعد تحتمل ذلك. وعلى هذا الأساس سارعت من منطلق واجبها العروبي والإنساني، لإقناع العالم بضرورة إزاحة هذه الغمة عن سوريا وشعبها الجريح.

والأمر لمن يملك النظر بعمق، ليس مجرد التئام مؤتمر واستقبال وفود وتوديعها. لا هذا غير صحيح. الأمر أكبر من تلك التصورات السطحية، ما الدليل؟ تأكيدات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وهذا بالتأكيد سيمنح الشعب السوري فرصة لالتقاط أنفاسه، بعد سنوات من الضياع.

وحملت المملكة لواء حث المجتمع الدولي لتقديم الدعم الإنساني والاقتصادي، وبناء قدرات الدولة السورية، للوصول إلى عودة اللاجئين السوريين.

هل توقف الأمر عند هذا الحد؟ بالطبع لا، إذ إن الأمير فيصل بن فرحان حاول تذكير الدول التي تفرض عقوبات على سوريا، بالاستحقاق الإنساني، كيف؟ عندما وضع إصبعه على الجرح، من خلال التأكيد على أن استمرار تلك العقوبات، يعد أمرا معرقلا لطموحات الشعب السوري في استعادة بناء بلاده، والوصول إلى تحقيق التنمية والاستقرار.

ولهذا الاجتماع أهداف سعت الرياض لتحقيقها، ليس من أجل الحصول على مكاسب، ولا نفوذ مستقبلي في سوريا. ما هي؟ لقد تبنت السعودية مهمة إقناع الغرب بضرورة النظر لسوريا الجديدة بمنظور شامل، والابتعاد عن تصدير الأحكام المسبقة، بناء على الشكل دون المضمون. وهذا ينعكس دون شك على الحالة السورية العامة، لا سيما تلك التي ترتبط بالمهجرين واللاجئين للخارج.

أعني هنا أن المملكة عملت على دفع بعض الدول الغربية المتخوفة والمتوجسة من الإدارة السورية الجديدة، للتفكير بمنحها الفرصة، من باب احترام سيادة سوريا واستقلالها، وإتاحة المجال لتقرير المصير ورسم المستقبل، مع حق النظر بتمعن للأداء السياسي للنظام الحديث، للوصول في نهاية المطاف إلى حكم واستنتاج مبني على متابعة دقيقة وحثيثة لا على التصورات والعواطف.

وفي المقابل عمدت المملكة التي احتضنت اللقاء، من باب مناصرة الشعب السوري، وكان لها الدور الرئيسي بصياغة البيان الختامي، الذي يعد وثيقة تاريخية، تسليط الضوء على الحماقات الإسرائيلية التي طالت أراضي سورية بطريقة فجة، عبر توغلها في القنيطرة، وجبل الشيخ، وذا يعد تجاوزا على اتفاق فض الاشتباك المبرم بين دمشق وتل أبيب عام 1974م.

وبمناسبة ذكر البيان الختامي؛ بالضرورة الانتباه لعدم ذكر النظام السوري السابق إلا مرة واحدة، وذلك كان في سياق مرتبط بالاجتماع، يتجسد بذكر العقوبات المفروضة. وهذا من باب الشيمة السعودية الخالصة التي حاولت الرياض تصديرها، والتي لم ولن تكن يوما في محل تشفِ أو شماتة، حتى مع من يخالفونها التوجه والمسيرة، لا سيما إن كانوا من الجلدة العربية نفسها. فهذه أخلاقيات موروثة وليست مكتسبة أو طارئة فرضتها الأحداث.

إنما السؤال المطروح، ما فوائد رفع العقوبات؟ مساعدة الدول المانحة على تقديم العون، لتسيير أمور مؤسسات الدولة. ويعود بشكل مباشر حتى على بناء الجيش الذي يعول عليه المجتمع الدولي لصد ما يسمى بالإرهاب، بحاجة إلى دعم خارجي.

وبدا واضحا أن هناك رغبة سياسية دولية بدعم سوريا، ولكن وفق سياسة "خطوة خطوة"، وصولا إلى إعادة حضور دمشق في المحافل الدولية، وعضويتها في الأمم المتحدة، وذلك بحاجة إلى مسار سياسي متكامل يجب أن تعمل عليه الإدارة السورية الجديدة.

أعتقد أنه يمكن استنتاج بعض الرسائل من ذلك الاجتماع العربي والدولي، أهمها تلك التي وجهتها المملكة للعالم، والتي تفيد بضرورة أن يدرك الجميع أن الشعب السوري ليس شعبا تائها في الظلام، ولا غارقا في بحار الشفقة والرحمة، لا بل له من له في المحيط والإقليم القريب، الذي لا يرتضي له إلا العيش الكريم، ومنحه كامل حقوقه في تقرير المصير.

إن دمشق التي استطاعت الخلاص من أغلال الماضي، لا خيار لها سوى بناء دولة؛ لاكتساب شعب، يتوق للعودة لحضنه العربي. مع ضرورة السعي قدما لتعزيز الثقة مع العالم، وتبديد المخاوف. ذلك ما آمنت به المملكة، وعملت على دعوة الغرب للإيمان به في الوقت نفسه.

لذا تبنت السعودية تضميد جراح سوريا.. في عاصمتها التي لا تنام.