عبدالله سعود العريفي

الرقم غلط

الخميس - 21 نوفمبر 2024

Thu - 21 Nov 2024

كان الهاتف الثابت فيما مضى يتلقى أحيانا مكالمات غير صحيحة ويستقبل أحيانا أخرى اتصالات خاطئة، وكانت عبارة "الرقم غلط" مشهورة ومتداولة ومنتشرة ومعروفة بين جميع المستخدمين له كرد على من وقع في غلطة أو ارتكب خطأ في رقم الاتصال، أو أُصيب بحالة من السهو أو الغفلة أو النسيان أو عدم الانتباه أو نقص مرده إلى قلة الدقة، أو عدم القدرة على الاسترجاع أو زوال المعلومة مع عدم القدرة على استرجاعها في الحال عند إجراء اتصاله برقم من الأرقام، وهي تعني بشكل آخر أنه يجب على المتصل أن يسأل ويستوضح ويستفهم ويستفسر ويتأكد ويتوثق ويتثبت من الرقم الصحيح الذي يريد الاتصال به قبل أن يقوم بإجراء مكالمته، حتى لا يتسبب في إزعاج الآخرين وإقلاق راحتهم أو يتسبب لهم في أذى أو ضرر أو إساءة بأي شكل من الأشكال، أو يؤذيهم أو يضايقهم أو يكدر صفوهم وصفاءهم أو يثقل عليهم أو يجعلهم في حالة غير مريحة.

وفي العلاقات بين بني البشر والروابط القائمة بينهم وعلاقاتهم بمن حولهم، هناك ما ينطبق عليه "الرقم غلط" من حيث الغلط في التوقع والتخمين والخطأ في التقييم والتحديد والزلل في التعيين والتقدير.

قد يلتقي الإنسان في حياته بأشخاص لديهم معلومات مغلوطة أو مفاهيم خاطئة أو آراء غير سديدة أو اعتقادات غير صحيحة عن الآخرين، شكلت عائقا دون انسجامهم معهم وبنت حاجزا دون تقبلهم لهم ووقفت حائلا دون مشاركتهم وكونت فاصلا دون اندماجهم معهم، والسبب في ذلك يرجع إلى الأحكام المسبقة؛ فالبعض يقيم الآخرين من خلال زوايا محددة ولا ينظر إلى الصورة كاملة؛ فالحكم على الآخرين عنده يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بجوانب معينة تتوافق مع أهوائه وتتطابق مع ميوله وتنسجم مع آرائه.

يُعد التسرع في الحكم على الآخرين من السلوكيات الشائعة التي قد تؤدي إلى سوء الفهم وفقدان العلاقات الوطيدة، يحدث هذا التسرع عند الحكم على الأشخاص بسرعة ودون معرفة كافية، وهو ما يمكن أن يسبب آثارا سلبية غير مرغوب فيها ونتائج ضارة على الحياة الاجتماعية والشخصية؛ فالتسرع في الحكم على أفعال الآخرين خطأ فادح يقع فيه البعض قبل التعرف بشكل كامل على ظروفهم وأمورهم وأوضاعهم وأحوالهم.

هناك من يركز على العيوب ويبرز النقص ويبين الثغرات ويكشف نقاط الضعف ويظهر الأخطاء ويكون منشغلا بها ولا يستطيع رؤية أي شيء آخر غيرها، الأمر الذي يجعله أكثر إصدارا للأحكام؛ فالتسرع في إصدار الأحكام وعدم التبين يعرض الإنسان للحرج والمتاعب والمواقف الصعبة والإحساس بالذنب والوقوع في حالة انفعالية تتضمن مشاعر مؤلمة تكون مصحوبة بندم وأسف عميق؛ فكم من حماقات يتم ارتكابها وكم من تصرفات خرقاء يتم اقترافها بسبب التعجل والتصرف دون تفكير في الحكم على الآخرين، وكم من مشاكل ومتاعب وصعوبات ومنازعات اشتعل أوارها بسبب التهور والاندفاع والعجلة والتصرف بخفة وسفاهة وبما يناقض الحكمة، وكم من بيوت أصابها الضرر ودُمرت وانهارت وأصبحت خرابا وتفرق سكانها وتشتتوا للأسباب نفسها، وكم من شخص تم اكتشاف الخطأ الذي تم الوقوع فيه بحقه عند مجالسته ومخالطته، حيث وجد أنه غير الذي كان يُظن عنه، لأن الصورة الذهنية عنه والانطباع الأولي الذي تم رسمه عنه انطباع صوري ساذج وسطحي ناقص.