زيد الفضيل

كيف تقول لا سياسيا؟

الأحد - 01 سبتمبر 2024

Sun - 01 Sep 2024

لفت نظري وأنا أعد للقاء السفير الدكتور عبدالعزيز تركستاني في برنامج تفاصيل لبودكاست مركز الخليج للأبحاث، كتاب ألفه بعنوان "كيف تقول لا بالياباني"، والحق أقول فقد شدني العنوان والمضمون بشكل كبير. إذ هناك طرق شتى يمكن للمرء أن يعتذر بها عن المضي في أي مشروع أو دعوة أو مبادرة تقدم له، وحتما فكل تلك الصيغ الاعتذارية منشؤها الرغبة في التملص بأدب ودون أن تجرح الآخر، وتلك خصيصة أخلاقية فجبر الخواطر من مكارم الأخلاق، حتى وإن كان منشأ الاعتذار نفعي، بمعنى أن المعتذر عن قبول الشيء لا يريد أن يخسر الآخر.

في هذا السياق فقد جذبني الاستفهام الذي يمكن تطبيقه في مختلف الجوانب الاجتماعية والتجارية وصولا إلى السياسية، بمعنى كيف تقول (لا) في موضوع اجتماعي أو اقتصادي، أو سياسي وبخاصة في عديد من القضايا غير المفصلية التي لا تمس الأمن الوطني والقومي؟ وكل تلك الحالات تستلزم عدم المباشرة، كأن تقول: موضوعك أو فكرتك أو مبادرتك جيدة، ثم تتبعها بـ(لكن) الاستدراكية، وتسرد مسببات تشي باعتذارك، وهو أمر محبب فعله، وفيه من المروءة والأخلاق الشيء الكبير، بغض النظر عن صدقية أسباب اعتذارك من عدمه. والسؤال هل يصلح ذلك في القضايا السياسية الكبرى والمفصلية؟

إذن كيف نقول (لا) سياسيا بصرامة؟ لا سيما في القضايا الكبرى المتشابكة، وحين يكون الوقت في غير صالحك، مع الإقرار بأن السياسي الماهر هو الأقدر على أن يقول (لا) بصرامة، ولكن باحترافية وذكاء وبمهارة لغوية عالية. وما أكثر النماذج في التاريخ التي يمكن استجلاؤها والاستفادة منها. وأحدها تلك الـ(لا) التي قالها معاوية بن أبي سفيان لإمبراطور الدولة البيزنطية حين أراد أن يستغل الظرف السياسي والعسكري لمعاوية حال اشتعال حربه للخليفة الإمام علي بن أبي طالب، فأرسل إليه يطلب زيادة في الأموال التي يدفعها له، فما كان من معاوية إلا أن رد بدهائه المعروف قائلا له: (لا)، ولكن بذكاء ومهارة سياسية، حيث أجابه قائلا: إن ما بيني وبين ابن عمي (يقصد الإمام علي) لأمر سهل، وإن لم تكف عن استغلالك للظرف فسأصالحه ونأتي وإياه إليك لنحاربك.

حقا ما أقوى هذه الـ(لا) التي أطلقها الخليفة بعدئذ معاوية بدهائه، وكان في أضعف حالاته، لكنه استفاد من القيمة المضافة والمتمثلة في الحالة القرابية بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب، بشكل جيد، وحول الضعف إلى قوة، وجعل خصمه يفكر مرات ومرات قبل أن يُقدم على أي تصعيد؛ وما أشبه اليوم بالبارحة، فهل يمكن أن نستلهم من دهاء الخليفة معاوية بن أبي سفيان فنقتدي به لنقول (لا) لكل ما يحدث من اعتداء صهيوني غير إنساني بمؤازرة غربية مكشوفة؟