بسمة السيوفي

هـش ..

الأربعاء - 03 أبريل 2024

Wed - 03 Apr 2024

أصبح الأمر ملفتا للنظر.. كثرة عدد «الحساسين» حولنا، من يتأثرون لفرط رقتهم ويصعب عليهم التحمل، أشخاص أكثر ضعفا في مواجهة تحديات الحياة، وأكثر هشاشة وشعورا بالتحطم الروحي بشكل لا يمكن تفسير أسبابه؛ فنجد السمات الغالبة في جيل التقنية أنه يقدر المادة على الفكر، والاستهلاك على الإنتاج، والشتم والمعايرة والإقصاء عوضا عن الحوار والنقد الموضوعي خاصة عبر الشبكات الاجتماعية الافتراضية.

جيل يعتمد بزيادة على الآخرين وصورته الذاتية عن نفسه هشة، يبحث عمن يتحمل مسؤوليته حتى في أبسط القرارات.

ربما كانت الأسباب كما قال ابن خلدون في دورة حياة المجتمعات، وهي أن الأوقات الصعبة تصنع رجالا أقوياء، ثم يصنع الرجال الأقوياء أوقاتا جيدة، ثم تصنع الأوقات الجيدة رجالا ضعفاء، ثم يصنع الرجال الضعفاء أوقاتا صعبة، ثم تصنع هذه الأوقات الصعبة رجالا أقوياء مرة أخرى، ففي أي المراحل تكون المجتمعات هشة.. وهل الهشاشة النفسية يا ترى سببها الخلايا والجينات؟ وهل عندما يكون المرء أكثر عرضة للكسر يضخم المشاكل ليجعل من حياته وحياة من حوله معاناة.. هو رد الفعل الطبيعي على المواقف؟ لكن من ذا الذي يقرر الطبيعي من غير الطبيعي؟

بداية نحن نعيش غالبا في محيط خمسة أجيال.. جيل الطفرة السكانية المولود بين 1945م و1965م.. ثم الجيل «X» المولود بين عامي 1965م و1979م... والجيل «Y» المولود بين 1980م و1995م.. وأخيرا الجيل «Z» المولود منذ عام 1995م، وهو الجيل الذي لا يعرف العالم من دون تكنولوجيا. وقد بات مألوفا للكثيرين سماع مصطلح الجيل «Z» وجيل ألفا الذي يمتد بين عامي 2013م و2025م، وهناك جيل جديد يسمى جيل Zalpha، المختلف عن الجيل Zillennials الذي يضم من ولدوا من عام 1990م إلى عام 2000م.

أما عن الـ «Zalpha» فيضم أي شخص مولود بعد عام 1996، جيل Z، الذي استخدم الإنترنت بكثافة ويتصف بالإبداع والتفنن باستخدام الأجهزة والتقنيات الحديثة المتقدمة ما جعله يشعر بالتفردية وأحيانا بالنرجسية والتمحور حول الذات.

جيل التقنية هو جيل رقائق الثلج Snowflake، الذي يمتلك ميزات الطموح والتحدي والسرعة في الإنجاز؛ إلا أنه جيل وصف بالضعيف والهش.. تنكسر نفسيته عند أي موقف بسيط.

وبالرغم من أن بعض العلماء يرى أن تصنيف الأجيال أمر ضار وغير علمي.. إلا أنه مستخدم من قبل علماء النفس وعلماء الاجتماع.. ولابد من البحث في مدلولاته لفهم السمات العامة لظاهرة الهشاشة النفسية.

من الإنصاف والأمانة أن نكون صريحين ونعترف بأن الصورة التي يرسمها أفراد الجيل «زد» لحياتهم بعيدة كل البعد عن السلبية.. لكن الدراسات الحديثة تقول إنهم أكثر عرضة للإبلاغ عن مشاعر سلبية مثل التوتر، والقلق، والشعور بالوحدة.. الغرق في التفاصيل الشخصية والبحث عما هو جديد.. مع الرغبة في إنجاز كل شيء في أسرع وقت، لكنا لا بد أن نعترف بداية أن الإنسان لا يولد هشا سهل الانكسار.. بمعنى أن أسباب الهشاشة النفسية ليست خلايا ولا جينات بل مخلقة وترتبط بالبيئة والظروف المحيطة بالشخص وأساليب التربية.

إفراط الأبوين في توفير رغبات الأبناء، والحرص على إبعادهم عن الاحتكاك بالمجتمع خشية الأذى.. الحماية المفرطة من المشاكل هي التي تنشئ جيلا ملولا يريد أن يحظى بالاهتمام ولو بشكل مؤقت.. يفتقر إلى الاستقرار النفسي متصورا أن كل عثرة في الحياة هي نهاية العالم، يمكننا ملاحظة ذلك إن وقعت مشكلة في الأسرة مثلا أو في بيئة العمل من خلال تعامل الأشخاص مع الموقف أو أسلوب التغلب عليه، فهناك الصلب وهناك المرن، وهناك الحريص بالرغم من أنه سيتألم، هناك من لا يأبه لما سيحدث وهناك من قد يخاطر ويتحمل نتائج المخاطرة، وهناك من يضخم أي مشكلة إلى درجة تصويرها في عملية تسمى في علم النفس بـ Pain Catastrophizing حتى يندب حظه ويلعن اختياراته ويكمل عويل الضحايا بلا توقف.

فكيف نساعد الأجيال الحالية والقادمة على الوقاية من الهشاشة النفسية.. كيف «يخشوشنوا حتى تدوم النعم»؟ بداية لا بد أن نغرس فيهم معنى السعادة الحقيقية في الرضا، وأن الحزن والانفعال لأتفه الأسباب هو من علامات الضعف والانكسار النفسي، وأن الفرد ذاته هو الوحيد القادر على استنهاض قوته التي تمنحه القدرة على المواصلة.. دون السماح لأي موقف أو فكرة بالتأثير على الحالة النفسية، مع التحلي بالصمود النفسي والإيجابية.

أيضا لا بد أن نغرس في الأجيال أن الحياة بحاجة إلى أهداف وأنه بدون هدف ستمر الأيام عبثا، وتنتهي كما تنتهي، بلا إنجاز. لا بد من العمل على تعزيز وتوظيف المهارات فلكل إنسان مهارة أو جانب معين يتفوق فيه.. أما ما يجب أن يفعله الآباء فهو توفير الأجواء النفسية الملائمة لتربية نفسية وجسدية وروحية مناسبة للأبناء.. بعيدا عن تأثيرات التقنية.

الشاهد أنه لا يوجد من هو أفضل جيل أو أسوأ جيل، لا جيل الطفرة السكانية ولا جيل رقائق الثلج.. وأن الهشاشة تربية وليست طبيعة متأصلة في الفرد، لذا فإن ارتفاع نسبة القلق والتوتر، والانفعال بشكل مبالغ فيه، يتطلب التعافي بعد التعرض للضغوط النفسية، يتطلب المرونة والصمود النفسي، أن يكون لدينا القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة ومواجهتها دون الإصرار على التأقلم معها بمفردنا، بل أيضا طلب الدعم من الآخرين. الحياة ليست مأساة والهش في هذا الزمن لا يجرؤ على الحياة.

اللهم إنا نسألك خفة الأحمال.. وقوة الظهر.

smileofswords@