بسمة السيوفي

أن تكون سعوديا

الأربعاء - 21 فبراير 2024

Wed - 21 Feb 2024


حب الوطن من أكثر المشاعر التي يتفق عليها، هو دفء البيت وحضن الأم وحزم الأب، مصدر الهوية والثقافة والأمان للأفراد، الارتباط العاطفي والروحي العميق بين الذات والبيئة التي ينتمي لها، فيشارك ملتزما في تحقيق قيم ومصالح الوطن، ينسجم ويتفاعل بناء على هذا الحب وهذا الانتماء.

ولأن الاحتفاء بالمناسبات والتراث والأعياد يمثل تعزيزا للهوية والروح الوطنية.. كان يوم التأسيس 22 فبراير رمزا للعمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى قبل ثلاثة قرون؛ وبدأ يغزل خيوط الوحدة والاستقرار والازدهار.

يوم التأسيس لمن لا يعرف.. هو استذكار للجهود التي بذلها المؤسس عندما تولى الحكم في الدرعية عام 1727م، وهو يختلف عن اليوم الوطني يوم إعلان توحيد المملكة العربية السعودية 22 سبتمبر 1932م.

ولا شك أن التذكير بالبدايات العظيمة يقول للجميع «إلا تتناسوا الهوية».. كونوا منتمين للبدايات مشدودين للمستقبل.. تأملوا إنجازات الماضي بيقظتها وسباتها.. واحتفوا بالهوية وعيا دون تعصب.

التذكير يجعلنا نتوقف متأملين أحوالنا.. وأحوال من حولنا من الدول؛ لأن الهوية تتشكل من خلال إدراك الواقع تاريخيا وجغرافيا، ومن خلال التطلعات والرؤى والذكريات.. هناك علاقة بين «الهوية والوجود اﻹيجابي الفاعل في الأوطان، فالإنسان الذي لا هوية له لا يمكنه أن يبدع، وليس عنده ما يدافع عنه سوى احتياجاته المادية وذاته المادية».. فالإنسان لا يتطور ولا يبدع إلا إذا أعاد النظر إلى العالم من خلال تفاعله مع بيئته ومحيطه، ومع الشعوب الأخرى.

كما أن الإرث الحضاري والثقافي هو العمود الفقري لكل أمة، والاستثمار في أي مشروع يعزز الهوية الوطنية.. الهوية ذات الأصالة التي تسعى للتفرد دون هيمنة.. سيرسخ بالتأكيد لتماسك المجتمع ولقيم أخلاقية عالية وسلوكيات راقية للتعامل مع الشعوب.. قيم تعزز الاحترام للثقافة المحلية والعالمية التي هي «جوهر التنمية».. أما كيف تتشكل الهوية؟ فيمكن القول إنها عبارة عن مجموعة من المعطيات الثقافية، والتاريخية، والتراثية، واللغة.. تعبر عن الانتماء لوطن دون تطرف أو مبالغات.

أن تكون مواطنا سعوديا يعني أن الوطن مسؤول أمامك، وأنك قادر على المطالبة الدولة بحقوقك، وأن الوطن يلتزم بتفسير أفعاله للمواطنين.. وهذا ما نعيشه حقيقة ويعبر عنه بجودة المواطنة.. والتربية من أجل المواطنة.

فعندما تتأكد ملامح الهوية الوطنية ويتم ترسيخها في الواقع والرؤى والتطلعات.. ويواجه الآخرون بها.. يعيشون ويمارسون المواطنة فعليا.. يمكننا مجابهة النزعات الخائنة التي تتعرض لها الأوطان.

أما عن الغايات العظمى للاحتفاء بيوم التأسيس فهي ترمي إلى الاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية، وتوثيق الارتباط بين المواطنين وقادتهم، هو مناسبة للتعبير عن الفخر بالوحدة والاستقرار والأمن.. عبر صمود الدولة السعودية الأولى والدفاع عنها أمام الأعداء.

كما يعبر الاحتفاء عن الاعتزاز باستمرار الدولة السعودية واستعادتها لقوة جذورها بجسارة وحكمة قادتها، والفخر بالوحدة الوطنية التي أرساها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.. وأكملها أبناؤه الملوك في تعزيز استدامة هذا الكيان.

نحن نتقلب بين نعم النمو والازدهار والرخاء حتى أصبحنا محط أنظار العالم، يسددنا توفيق المولى وحرص القيادة الحكيمة حفظها الله، نحن صناع السلام.. نمنح الفرص ونمكن المستحقين، نحن الثقل السياسي.. العمق العربي والإسلامي، قاعدة الاقتصاد المتين، نحن محور ربط ثلاث قارات، والدعم والعطاء والمساندات، نحن الغوث للملهوف والعون للمكلوم، نحن المبادرات والجوائز والإنجازات، نحن الحجاز ونحن نجد من الشرق للغرب ثروات، كل الأطراف المترامية مجد وإمكانات، نحن القبلة والمأوى بلا تعصبات، نحن رغيف الخبز والسقف، الانتماء الإسلامي والعربي ومحضن الأمنيات، كنا وما زلنا نجبر العثرات، نحن من أكبر عشرين اقتصادا في العالم، العضو الدائم وفي أوبك قادات، نحن أصحاب أكثر الرؤى الاستراتيجية إشراقا وتحقيقا.. عربيا ودوليا على كل المستويات. نحن السعد، والسعادة، والسعود جميعها، نحن السعودية والسعادات.

أن تكون سعوديا يعني أن تقف شامخا تحمل الأخضر.. الأخضر علما والأخضر «جواز سفر»، أن تعي واجبات الاحترام، والوفاء للقيم، والقيادة، والوطن، أن تسهم بالمشاركة في مسيرة بناء وتقدم، تعبر عن الحب والاعتزاز، فأنت كمواطن لست رقما من أرقام هيئة الإحصاء السكاني بقدر ما أنت امتداد راسخ لكل ما هو تاريخي وحضاري، أنت امتداد لمن شرف هذه الأرض ولكل من أسهم في خدمة الوطن من أئمة وملوك ومواطنين، أنت انتماء عريق ومتجذر توارثه الأبناء عن الآباء والأجداد بكل فخر وولاء، فالوفاء للوطن له أعين تبصر الطرقات، يستوطن في القلوب ليبقى حبه خالدا لا يذوي ولا يموت، فلنحتفل بيوم التأسيس المجيد؛ لتظهر الفرحة في رائحة الابتسامات، وفي الأعلام الخضراء التي تنتظر أيادينا، في ضحكة النخل الباسق الذي ينتظر أنواره، في بهجة البيوت وزينة الطرقات، الفرح ينتظر عند كل زاوية.. أراه حاملا فنجان قهوة سعودية.. طروبا لبعض الشيلات.

كلنا في هذا اليوم نقف بألق.. أمام سبورة من الأمنيات الباذخة.. يكتبها مستقبل المملكة العربية السعودية.. كلنا فخر وحمد على الاستقرار والازدهار، فكيف يحق لنا وصف يوم التأسيس المجيد.. والصفات أحيانا تكون قزمة أمام شموخ ما تصف.. وإنا يا وطن «نهواك في السر والعلن.. عسى الله أن يغفر لنا بحبك.. سيئات هذا الزمن».

بارك الله لنا في القيادة.. وبارك في مجد الخفاق الأخضر.


smileofswords@