فهد عبدالله

إدارة كارثة فوكوشيما

الأحد - 28 يناير 2024

Sun - 28 Jan 2024


تابعت المسلسل الياباني الأكثر من رائع (The Days - 2023) والذي يحكي عن تبعات زلزال اليابان الكبير في 11 مارس 2011 على محطة الكهرباء النووية فوكوشيما والتي أثرت بشكل مباشر في منظومة تبريد المفاعلات مما أحدث ارتفاعا في الضغط، تبعتها عدة مضاعفات للمشكلة منها عمليات التهوية والتنفيس والتي نتج عنها زيادة في النشاط الإشعاعي.

في الحقيقة وأنا أتابع هذا المسلسل الشيق أخذت الورقة والقلم وبدأت أرصد من خلاله بعض الملاحظات والدروس المستفادة وبعض المشاهدات والارتباطات في إدارة منظومة الحالات الطارئة والأزمات والكوارث، المسلسل أنصح بمتابعته لكل العاملين في حقل إدارة الطوارئ واستمرارية الأعمال وإدارة المخاطر وهو بمثابة دراسة معيارية عالمية وأعتقد أنه سيضيف تصورا شاملا لرحلة رصد الخطر وتقييمه وإدارته والاستجابة له والتعافي منه على المديين القريب والبعيد.

تم رصد 35 ملاحظة ودرس مستفاد سأذكر هنا أهم سبعة دروس مستفادة أرجو أن يكون فيها الإضافة والنفع:

1 - لم يكن الخطر المتعلق بانقطاع الكهرباء عن المحطة واجتماعه مع خطر عدم عمل محركات الديزل، فضلا عن باقي انقطاعات الكهرباء عن المحطات الأخرى تأثرا بالزلزال خطرا مرصودا في سجل المخاطر إما لعدم تصور حدوثه أو لنسبة احتمال حدوثه الضعيفة جدا، وتم البحث عن حالات مثيلة عالميا وكيفية التصرف حيالها ولم يجدوا سيناريو مشابها لذلك.

وهذا يقودنا إلى أهمية رصد جميع المخاطر التي يمكن أن تحدث والتي يمكن تخيلها أن تحدث والسجل الذي يحتوي على تصورات متشائمة للمخاطر سيجعل بالتأكيد من خطط التخفيف والاستعداد والاستمرارية والمواجهة والتعافي أكثر جاهزية عند وقوع مثل هذه المخاطر لا سمح الله.

2 - عادة أثناء حدوث الكارثة يحدث ما يعرف بحالة الذعر (Panic Behavior) فتختلط الأوراق والأولويات في إدارة الكوارث، عند وقوع الكارثة كان سلوك الإدارات العليا في شركة الكهرباء اليابانية منصبا على عدم انقطاع الكهرباء واستمرارية الخدمة كأولوية عليا بينما قائد الحدث في الموقع ينظر لتبعات الحدث وما يرتبط به من انبعاثات للإشعاع كأولوية عليا؛ لأنه سيؤثر حتما ليس فقط على الخدمة الكهربائية بل على جميع مفاصل الحياة في اليابان، فكانت تلك النظرات المختلفة لها تأثير على سرعة الاستجابة وجودتها.

3 - في الأزمات تظهر الكفاءات أو كما يقال، مسؤول السلامة في الوكالة النووية لم يكن قادرا على إعطاء التوجيهات الصحيحة تجاه سلامة العمليات، وبعد تراكم الحيثيات اكتشف القائد الأعلى لإدارة الأزمات بأن تخصصه كان في الاقتصاد وليس في مجال سلامة العمليات في الطاقة النووية، وهذا يقودنا بأنه إذا كان وضع الشخص المناسب في المكان المناسب واجبا عاما في كافة الأعمال فمن باب أولى هو بمثابة فرض العين في كل ما يتعلق بسلامة الإنسان وتقليل الخسائر.

4 - في ثنايا المسلسل تناول مسألة التأخر في الإبلاغ وكذلك الشكليات واللغة الدبلوماسية التي يتحدث بها ممثلو الشركة للجهات الحكومية العليا خوفا من المآخذ القانونية، وبعد فترة من الحدث كان المأخذ القانوني الأكبر على الشركة من أكبر سلطة تنفيذية في اليابان هو هذه الشكليات والدبلوماسية التي كانت أحد أسباب تأخر الاستجابة المناسبة للحالة الطارئة.

5 - كان يفترض هناك إجراءات احترازية متعلقة بإخلاء المواطنين كقرارات سيادية للأحياء المجاورة للمحطة بمحيط ثلاثة كيلو مترات، ولكن تأخرت هذه القرارات بسبب عدم رغبة نشر الذعر للسكان وأن ليس هناك تقارير واضحة عن مدى عمق الكارثة، الدرس المستفاد هنا سلامة البشر حتى عند عدم وضوح المشكلة إجراء احترازي له أولوية مهما كانت التبعات الإعلامية لذلك.

6 - من المشاهدات الرائعة جدا في المسلسل مسألة التنظيم الاحترافي في إدارة الكارثة، وجود قائد حدث في المحطة وقائد تشغيلي وقائد على مستوى الشركة وجميعهم لديهم جميع طرق التواصل بما فيها أجهزة التواصل من خلال الأقمار الصناعية والخطوط الساخنة وكذلك التجهيز المتكامل لغرف القيادة والسيطرة ووجود مكثف للفرق الداعمة فضلا عن وضوح الأدوار والمسؤوليات لكل شخص موجود بالغرفة وهوية الملابس المصنفة لكل فرقة، أعتقد أن هذا المشهد التكاملي في إدارة الكارثة يقودها لبر الأمان وكذلك يسر الناظرين.

7 - من ملامح المسلسل الرائعة إبراز أهمية أن يكون قائد الحدث لديه صفة الحكمة والتعامل الأمثل تحت الضغط، بكل بساطة إذا كان قائد الحدث قادرا على استيعاب جميع الضغوط ومحاولة فلترتها وتطويع سلوكه على الاتزان ستظهر تلك الملامح أيضا على جميع العاملين لديه والتي بالتأكيد ستساعد الخروج من الكارثة بأسرع وقت ممكن وأقل خسارة والعكس صحيح، تابع شخصية الممثل قائد الحدث في الموقع (كوجي ياكوشو) الذي يقوم بدور مدير محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية وستعرف أثر الاتزان الشخصي تحت الضغط على الحدث والمنظومة.


fahdabdullahz@