خالد العويجان

سبت 7 أكتوبر و11 سبتمبر

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2023

Tue - 12 Dec 2023

دوائر التجميل في واشنطن نائمة. والبيت الأبيض قلق. وسيده، الرئيس الافتراضي للولايات المتحدة الأمريكية الأخ جو بايدن أيضا في غفوة عن الآلة السياسية الأمريكية؛ وربما العالمية.

والماكينة الإعلامية الدولية المرابية والمزيفة للحقيقة، تؤدي دورها بجدارة، في الدفاع عن تل أبيب.

وهذا ربما حقهم.

لا مانع من ذلك.

وشيوخ الدبلوماسية الأمريكية، والغربية، تحولوا إلى راقصي تانغو. انكشفوا بأنهم محترفو قرع أقدام الكعب، مع الإيقاع. أقدامهم غليظة.

وأنطونيو غوتيريس أصبح عازفا للناي الحزين، وصار يحلو له الجلوس في الزوايا المظلمة.

سبت السابع من أكتوبر 2023، كان صدمة للعالم. وفي الحقيقة كان جرحا عميقا، لعواصم لطالما تصورت أنها خط أحمر من حيث الحماية والهالة الدعائية، وبعيدة عن المفاجآت.

لكن ذلك تبخر وتبدد في غضون أقل من ساعة. ولا أشجع ذلك بكل الأحوال، إلا أنه حدث تاريخي، ستحكيه الأجيال القادمة إن كانت في وعي مناسب.

أتصور أنني سأخالف من يرفض تشبيه ذلك اليوم - أقصد 7 أكتوبر -، من حيث ردود الفعل الدولية، على «حرب الأيام الستة في 67؛ أو حرب 73، مثلا التي منحت العرب بعضا من الفرص لالتقاط الأنفاس واكتساب تأييد الرأي العام. صحيح أني لم أكن بشرا في التاريخين الأول والثاني، إنما أغلب السعوديين من الآباء والأجداد شاركوا وقتذاك، في الذود عن «العروبة في مفهومها الحقيقي وليس الملوث»، واستمعنا منهم إلى العديد من القصص البطولية في هذا الصدد، وبدون أدنى شك، شعرنا بكثير من الفخر.

وعلى هذا الأساس، يمكنني وصف عنصر المفاجأة، الذي شكله السابع من أكتوبر هذا العام، بذاك الذي ارتبط بأحداث 11 سبتمبر 2011، التي شهدتها وواقعتها، كغيري من أبناء جيلي.

صدقا وهذا ليس سرا، كنت أشعر بنوع من الفرح، ليس لكره الولايات المتحدة الأمريكية، بواقع أسباب وقناعات شخصية، بل باعتباري ضحية لفكرة أيديولوجية، كان عرابها ما يعرف بـ»الإسلام السياسي»، الذي كان يمثله الإسلاميون في المملكة والخليج آنذاك، أعني الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي كانت تسيطر على بعض المفاصل، كالتعليم، وتفرض قبضتها، وذلك لا يمكن إنكاره.

هذا ليس بموضوعي، بقدر ما قصتي نبعت من فكرة أن الصور في تلك الأحداث، دون استثناء، لم تستوطن الخيال. كيف؟ بمعنى أنه لا يمكن لعقل بشر أن يخال له أن ينتهك عرض إسرائيل، والشمس في كبد السماء.

وماذا أيضا؟ يشبه المشهد اختراق الولايات المتحدة بأمنها ودفاعاتها، في الحادي عشر من سبتمبر عام 2011، وهي الموصوفة بشرطي العالم، في وضح النهار.

فالصورة التي انعكست على تل أبيب، وشكل سحل جنودها، بعد جرهم كالأنعام من دباباتهم، لم تتألم منها وحدها، بل إن واشنطن أكثر الموجوعين من ذلك؛ لسبب واحد، ما هو؟ لأن الولايات المتحدة، حملت على نفسها منذ عقود، توفير الحماية والغطاء السياسي لقطعة مارقة على الخريطة.

ومن ثم ينجلي الضباب عن فراغ فكرة المكتسبات الأمريكية من هذا النضال والدفاع التاريخي عن قضية في شكلها ومضمونها، وإطارها خاسرة من جانب، ومن آخر، تعتبر عبئا تاريخيا، وهذا ما يؤكد فشل الخط السياسي الأمريكي، الذي يقوم على ديمقراطية كاذبة ذات عمق بشع، تقبل فكرة الدم والقتل، وتحمل لواء الدفاع عن القتلة، والراقصين على جثث الأطفال والنساء والشيوخ.

إن الزلزال الذي تعرضت له إسرائيل، في ظني سلط الضوء على السقوط الأخلاقي ليس في تلك أبيب فقط، بل حتى في واشنطن، وهذا يمكن رؤيته من خلال أوراق توفير غطاء دفاعي، عن دولة كإسرائيل، لا تملك أدنى مقومات الحجج، ولا التاريخ النضالي، ولا السياسي، كونها مبنية على أحزاب أقلها متطرف.

لست مع طرف ضد آخر، إنما أحاول قراءة ما بين السطور، وهذا ما أستنتجه في رؤيتي لملف حول المنطقة إلى شبه «رماد أسفله نار موقدة».

المهم أني أعيش حالة من الطمأنينة، ترسمها بلادي المملكة العربية السعودية، التي حملت ملف الحقيقة بكل تفاصيله، ولم تتوان يوما ما عن وضعه على أعتى مكاتب وطاولات من يسمون أنفسهم مؤثرين في السياسة وصناع قرار على الساحة الدولية.

لذا قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قبل أيام، «إن فتح المجال لإدخال المساعدات ليس بكاف».

وهذا نابع من إدراك سعودي أن تحقيق هذا المطلب، لن يصبح في يوم من الأيام أقصى الطموحات، ما لم يتوقف قبل كل شيء، وقف إطلاق النار في غزة.

إن تسمين الضحية فكرة غبية قد تكتفي بها الكثير من عواصم العالم، لكنها لم ولن تمر على الرياض.

وهذا ما حدث وترجمته سياستها الخارجية.

نحن هكذا، بدو؛ للنخوة دور كبير في تفاصيل حياتنا الدقيقة.

على الأقل لسنا كمن ذهبوا ضحية صدمة 11 سبتمبر، وخرجوا مذعورين للشارع ربما شبه عراة، ولا مثل من تحولت قواتهم العتيدة ضحية بخسة الثمن، لبضع من المتحمسين، الذين هزوا كيانا لطالما تصورناه عظيما، وهو في الحقيقة، هش بكل المقاييس.

والدليل؛ سبت السابع من أكتوبر، الذي أيقظ عقودا مضت من ادعاء البطولة، وخلط أوراقها وقلبها رأسا على عقب، واتضحت الحقيقة.. ما أكذبكم! وما أجبنكم!.