كرة القدم بالعربي الفصيح
الأحد - 15 أكتوبر 2023
Sun - 15 Oct 2023
زارنا في الخرطوم خلال التسعينات المعلق الرياضي من السعودية، الأستاذ زاهد قدسي، ودعاني تلفزيون السودان لأشاركه تقديم محاضرة عن التعليق الرياضي. قلت للإخوة في التلفزيون: أنا ما ليش في الكورة، فقالوا لي: نريد منك أن تسهم بجانب أكاديمي في الموضوع.
جاءت مساهمتي في عرض وتحليل اللغة التي يستخدمها معلقو الكرة، وكان يعجبني في السودانيين؛ معلق كروي مخضرم هو الأستاذ طه حمدتو. أثار إعجابنا ونحن صغار تعليقه بلغة عربية سليمة، مع أن الكلمات الإنجليزية كانت كثيرة في وصف الكرة آنئذ، مثل: الوِنق بدل الجناح، والكورنا بدل الزاوية، والهاف، والباص، ونحوها. حمدتو كان يمزج المفردات الإنجليزية بتلك اللغة العربية الفصيحة فيقول مثلا: " الونق اليمين باصاها للهاف... يا سلام طلعة جميلة"، و"شات شوتة ميتة باردة".
ومن ينقب في قاموس كرة القدم عند نشأتها الأولى، يجد أن التعبير كان بلغة عربية فصحى، رغم تأخر ظهور بعض المصطلحات الرياضية. مثلا لم تكن كلمة تعادل معروفة. لذا نقرأ في العدد الأول من جريدة صوت الحجاز الصادر في 27 ذي القعدة 1350 عبارة: "ولم يفز أحد الفريقين على الآخر".
مثال آخر لاستخدام اللغة المتأثرة بالأدب في الكتابة الرياضية: جاء في صحيفة (صوت الحجاز، ع 2، 15/12/1350) ما يلي:
"نزل الفريقان إلى الميدان، وقد استعد الفلاح لأنه الداعي لذلك استعدادا مدهشا بالمقاعد الجميلة والترتيبات الحسنة، وكانوا يستقبلون الناس بالبشر والترحيب، ويجلسون كل شخص في محله، والناس تواقون إلى مشاهدة المباراة".
وبعد تلك التفصيلات التي ليست في صلب الحدث الرياضي، يأتي الكاتب إلى وصف المباراة فيقول:
"استعد الفريقان للنزال، وكنت ترى الفلاح أحسن هنداما وأجمل منظرا، ولو أن الاتحاد لا يقل عن ذلك، غير أن مما يؤخذ عليه لعب أكثرهم حافيا، وتلوّن ألبستهم السفلى إلى ألوان مختلفة".
ويرد مندوب جدة الرياضي على هذا التقرير بأسلوب أدبي لا يقل رشاقة ولا فخامة، ومن عباراته:
"ولعمري، إنه لمن الغرابة بمكان إغفال المندوب تلك الأسباب تغاضيا عن الحق، يقصد منه الحط من شأن الفريق الاتحادي". (صوت الحجاز، ع 5)
وفي الصحيفة نفسها نقرأ عبارة مسجوعة من النمط القديم: "لكنه اجتهد أن يكون رفيقا في لعبه، شفيقا في مباراته".
واستخدمت إحدى الصحف كلمة (حبوط) للتعبير عن الهزيمة أو خسارة اللعب. ولا شك أن بعض الهزائم الكروية كانت (حبوطا). فقد حكى لي الدكتور محمود حسن أحمد الأستاذ سابقا بالمعهد الدبلوماسي بالرياض، أنه حضر مباراة في كرة القدم في الخمسينات الميلادية في الإسكندرية بين المنتخب المصري ومنتخب سلطنة لحج اليمنية، وأسفر اللقاء عن هزيمة ثقيلة لمنتخب السلطنة (ثلاثين - صفر).
وبالتأكيد، فإن فصاحة بعض معلقي الرياضة اليوم، هي امتداد لتلك اللغة العربية الرصينة في التعليق الرياضي القديم:
قرأت في صحيفة الرياضية الثلاثاء 26 سبتمبر، أن البرتغالي خورخي خيسوس مدرب الأزرق "زجَّ بسعود عبدالحميد، وحسان تمبكتي، وياسر الشهراني وسلمان الفرج، والبرتغالي روبن نيفيز وعبدالله الحمدان في مكان محمد البريك وعلي البليهي وناصر الدوسري والصربي سيرجي سافيتش، ومحمد كنو والبرازيلي نيمار".
وأن الفريق الهلالي "سيطر على مجريات الشوط الأول بنسبة استحواذ بلغت 80%، واضعا مضيفه تحت ضغط الهجمات المتتالية، لكنه افتقد إلى الفعالية الهجومية أمام الأردني يزيد أبو ليلى حارس مرمى الجبلين".
جاءت مساهمتي في عرض وتحليل اللغة التي يستخدمها معلقو الكرة، وكان يعجبني في السودانيين؛ معلق كروي مخضرم هو الأستاذ طه حمدتو. أثار إعجابنا ونحن صغار تعليقه بلغة عربية سليمة، مع أن الكلمات الإنجليزية كانت كثيرة في وصف الكرة آنئذ، مثل: الوِنق بدل الجناح، والكورنا بدل الزاوية، والهاف، والباص، ونحوها. حمدتو كان يمزج المفردات الإنجليزية بتلك اللغة العربية الفصيحة فيقول مثلا: " الونق اليمين باصاها للهاف... يا سلام طلعة جميلة"، و"شات شوتة ميتة باردة".
ومن ينقب في قاموس كرة القدم عند نشأتها الأولى، يجد أن التعبير كان بلغة عربية فصحى، رغم تأخر ظهور بعض المصطلحات الرياضية. مثلا لم تكن كلمة تعادل معروفة. لذا نقرأ في العدد الأول من جريدة صوت الحجاز الصادر في 27 ذي القعدة 1350 عبارة: "ولم يفز أحد الفريقين على الآخر".
مثال آخر لاستخدام اللغة المتأثرة بالأدب في الكتابة الرياضية: جاء في صحيفة (صوت الحجاز، ع 2، 15/12/1350) ما يلي:
"نزل الفريقان إلى الميدان، وقد استعد الفلاح لأنه الداعي لذلك استعدادا مدهشا بالمقاعد الجميلة والترتيبات الحسنة، وكانوا يستقبلون الناس بالبشر والترحيب، ويجلسون كل شخص في محله، والناس تواقون إلى مشاهدة المباراة".
وبعد تلك التفصيلات التي ليست في صلب الحدث الرياضي، يأتي الكاتب إلى وصف المباراة فيقول:
"استعد الفريقان للنزال، وكنت ترى الفلاح أحسن هنداما وأجمل منظرا، ولو أن الاتحاد لا يقل عن ذلك، غير أن مما يؤخذ عليه لعب أكثرهم حافيا، وتلوّن ألبستهم السفلى إلى ألوان مختلفة".
ويرد مندوب جدة الرياضي على هذا التقرير بأسلوب أدبي لا يقل رشاقة ولا فخامة، ومن عباراته:
"ولعمري، إنه لمن الغرابة بمكان إغفال المندوب تلك الأسباب تغاضيا عن الحق، يقصد منه الحط من شأن الفريق الاتحادي". (صوت الحجاز، ع 5)
وفي الصحيفة نفسها نقرأ عبارة مسجوعة من النمط القديم: "لكنه اجتهد أن يكون رفيقا في لعبه، شفيقا في مباراته".
واستخدمت إحدى الصحف كلمة (حبوط) للتعبير عن الهزيمة أو خسارة اللعب. ولا شك أن بعض الهزائم الكروية كانت (حبوطا). فقد حكى لي الدكتور محمود حسن أحمد الأستاذ سابقا بالمعهد الدبلوماسي بالرياض، أنه حضر مباراة في كرة القدم في الخمسينات الميلادية في الإسكندرية بين المنتخب المصري ومنتخب سلطنة لحج اليمنية، وأسفر اللقاء عن هزيمة ثقيلة لمنتخب السلطنة (ثلاثين - صفر).
وبالتأكيد، فإن فصاحة بعض معلقي الرياضة اليوم، هي امتداد لتلك اللغة العربية الرصينة في التعليق الرياضي القديم:
قرأت في صحيفة الرياضية الثلاثاء 26 سبتمبر، أن البرتغالي خورخي خيسوس مدرب الأزرق "زجَّ بسعود عبدالحميد، وحسان تمبكتي، وياسر الشهراني وسلمان الفرج، والبرتغالي روبن نيفيز وعبدالله الحمدان في مكان محمد البريك وعلي البليهي وناصر الدوسري والصربي سيرجي سافيتش، ومحمد كنو والبرازيلي نيمار".
وأن الفريق الهلالي "سيطر على مجريات الشوط الأول بنسبة استحواذ بلغت 80%، واضعا مضيفه تحت ضغط الهجمات المتتالية، لكنه افتقد إلى الفعالية الهجومية أمام الأردني يزيد أبو ليلى حارس مرمى الجبلين".