علي المطوع

سَلطة الكاتب وسُلطة الرقيب!

السبت - 08 أبريل 2023

Sat - 08 Apr 2023

سأبتعد عن السياسة ومنزلقاتها التحريرية والخبرية؛ ككاتب بسيط يجد في السياسة مرتعا خصبا للكتابة، بل لا أبالغ إن قلت إن الكتابة في السياسة في ظل تسارع أحداثها وتغيراتها مهنة من لا مهنة له، ولعلي أحدهم وأعوذ بالله من لعلي!

لذلك سآخذكم إلى جانب آخر من جوانب الكتابة وظروف تكوينها ولعل مثلها الأمثل هنا؛ الكتابة السياسية؛ فعند حدوث حدث سياسي مهم، يتسابق بعض الكتاب لتناوله وصفا وتعليقا، بعضهم ينحاز إلى فكرة المؤامرة تفكيكا وتأصيلا، وبعضهم يعود للتاريخ تبعا لقاعدته الشهيرة التاريخ يعيد نفسه وبعضهم يتمسك بأسلوب ما يطلبه المشاهدون، تلك القاعدة الهشة التي يطرب لها الكثير من الهشيش، كون البعض يكتب لبسطاء الفهم الذين تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا.

السياسة ليست ما يكشف الغطاء عنه، لكنها ما يخفى على الناس، وقديما قالوا «ما خفي أعظم!» وكتاب الرأي المهتمون بالسياسة ينحازون إلى الحدث، فيبدؤون في تناوله وتحديد أبعاده وظروفه ونتائجه، منحازين إلى آرائهم المسبقة ومواقفهم من الأحداث وصناعها، ليخرجوا لنا مقالة أشبه بطبق السلطة سهل التحضير، الذي يضم العديد من الخضراوات المختلفة اللون والطعم، كون هذه المقالات تضم العديد من المتناقضات، والأخيرة هنا هي مجمل التكهنات والتعليقات التي يرصع بها كتاب السياسة تحليلاتهم وأطروحاتهم الكتابية خلال فترات زمنية متباينة في الظروف والأشخاص.

فعلى سبيل المثال لا الحصر الحرب الروسية الأوكرانية، كان الكتاب ومن في حكمهم ينتظرون حربا خاطفة كون أحد أطرافها دولة عظمى تملك ترسانة هائلة من العتاد والرجال والخبرات، هنا كان طرح كتاب الرأي يبشر بنصر روسي قريب، وفق ما تصوروه وبناء على تلك المعطيات التي تشير بأن حرب أوكرانيا ماهي إلا نزهة للجيش الأحمر، يعيد فيها شيئا من مجده التليد، لكن الحرب لم تسر وفق تلك الرؤية واتضح للناس البسطاء قبل كتاب الرأي لاحقا أن الحرب في أوكرانيا تبدو وكأنها مصيدة علقت فيها روسيا، وهنا بدأ طرح تحليلي كتابي جديد مفاده أن روسيا على شفا جرف هار سينهار بها وبكل التوقعات التي تنبأت بانتصار روسي كاسح وسريع، هذا جعل المحللين والكتاب يعودون أدراجهم في استقبال ما استدبر من توقعاتهم وأطروحاتهم، ليبدؤوا فصلا كتابيا جديد يتوافق مع الأحداث ومعطياتها، وهنا يصبح الكاتب أو المحلل أسيرا للقاعدة الشعبية الشهيرة «معاهم معاهم عليهم عليهم»!

الغريب أن كل تلك المغامرات الكتابية والتحليلية تجاز من قبل الرقيب، الذي لا ينظر لحجم التناقضات التي عاشها الكاتب وتعايش معها من خلال موضوعاته الكتابية المتعددة والمتغيرة بتغير مسار الأحداث وعدم وجود ضابط موضوعي عند الكاتب في ضبط تحليلاته الكتابية ورؤاه النقدية.

قد يقول قائل «إن الرقيب ليس بمنجم ليتنبأ بصحة ما كتب هذا الكاتب أو ذاك، وكذلك ليس بمسؤول عن صحة تلك الأطروحات الكتابية من عدمها»، وهذا صحيح كون مهمته الأصلية تكمن في السماح بنشر ما ينسجم مع سياساته التحريرية المتسقة مع خطوطه الحمراء، التي يعرف أبعادها وأعماقها جيدا، وهذه هي مهمته التي يشحذ بها همته كل يوم، ولعل في ذلك الكثير من المنطقية والواقعية.

ماذا بقي أيها السادة والسيدات؟ بقي المهم فنقول: إن الكاتب مهما تجلت كتاباته في الشأن السياسي تحديدا، فهو يكتب وفق حدود بصره وبصيرته اللتين تحكمهما بساطته أولا ثم بُعده عن الأحداث ودقة تفاصيلها، التي تكون حكرا على الذين يصنعون التاريخ، ويتعاطون السياسة، فالسياسي يصنع الأحداث لتكتبها النخب وتقرؤها العامة، أما الكاتب فهو يصنع طبق سلطته المتعدد الأصناف السهل التحضير؛ ليقدمه للرقيب أولا الذي قد يجيزه ولا يجيزه، وهنا يظل الكاتب أسيرا لمزاجية قد تغيب وتحضر، كونها سلطة تحريرية تمارس التقديم والتأخير والحذف والإضافة، وفق تلك الخطوط المرسومة والمدروسة التي لا يمكن تجاوزها أو ملامستها، وعندما يجيز الرقيب تلك المادة الكتابية، فإنه في الحقيقة يصبح الكاتب الذي كتب، كونه من قبل الفكرة وقبل تلك الطريقة في معالجتها، ليظل الكاتب في مثل هذه الظروف كضيف الشرف الذي عفا عليه الزمن والذي يوضع اسمه في بداية ظهور العمل جبرا لخاطره، في حضور هش وهامشي، ضمن أحداث درامية، ضابطها الأول والأخير؛ (المخرج عاوز كده)!

alaseery2@