عبدالله سعود العريفي

ما فات شيء

الأربعاء - 05 أبريل 2023

Wed - 05 Apr 2023

يمر الإنسان بمراحل معينة في الحياة وخاصة بعض المواقف التي قد يكون لها نتائج مكروهة لا تحتملها النفس أو تجارب سيئة وغير مرغوب فيها من شأنها أن تترك انطباعات ومفاهيم خاطئة لديه تبعث على الكدر والاستياء، وقد يبقى أسيرا لمشاعر الحزن والهم ومستسلما لها لفترات بعيدة ومدد طويلة على أمور ومواضيع قد لا يكون له أي ذنب أو خطيئة فيها أو أنها تكون قد انقضت ومحت السنون آثارها وأزالت الأعوام شواهدها وطمست الأيام معالمها.

ومن أقسى الكلمات وأشدها على نفس الإنسان هي كلمات التحسر والتألم والتأسف والتي يرسلها الوهم إلى القلب ويبعثها التخيل والتصور غير الواقعي إلى العقل؛ فتجعله يتوهم بأن الأمر قد فات ويعتقد بأنه قد انتهى وغيرها من كلمات الأسى والغم والتلهف، وحين يتأمل الإنسان قاعدة (ما فات شيء) سيكتشف أنها من أنفع القواعد وأصلحها في معالجة وتصحيح الخطأ أو العيب ومداواة نفس الإنسان وأطرها على الرفعة والمكانة العالية والمحاسن والفضائل أطرا.

قد يجني الإنسان على نفسه ويسيء إليها دون أن يحس أو يفطن وقد يُفسد صحته ويُضعف جسده ويجعله هزيلا بمشاعر سلبية دون أن يتوصل إلى معرفة جسامة ما يرتكب أو الشعور بفداحة ما يقترف أو الإحساس بخطورة ما يفعل، وقد تكون تلك المشاعر شديدة الفتك به وتكون حملا ثقيلا يُفسد أي فرحة وأمرا شاقا يُخرب أي بهجة وذلك لأنه صار كئيبا وقد حطمه الحزن، وفي الغالب فإن تلك المشاعر السلبية تلازم الفشل وترافق الإخفاق بسبب قرار لم يحقق النتائج المأمولة ولم يأت بالثمار المتوقعة؛ فتتسبب في انسياق الإنسان إلى الحزن وفي فقده القوة والاستطاعة والمقدرة على ممارسة حياته وعيشها بشكل طبيعي، وقد تكون سببا في إهلاكه نفسيا وقد تكون باعثا ودافعا لإمراضه صحيا.

ولهذا فإنه يكون لزاما التخلص والخروج من تلك المشاعر السلبية بكل الطرق الممكنة وبجميع الإمكانيات المتيسرة وبكل الوسائل المستطاعة؛ فهي مشاعر تمتص القوة والقدرة والارتياح التام للإنسان وقد تمنعه من تذوق طعم الراحة حيث إن العقل يمتلئ بالعديد من الصور الذهنية لأمر ما مما قد يتسبب في منع الإنسان من النوم وحدوث حالات من الشعور بعدم الارتياح مثل أن يظهر السلوك أحيانا بصبغة انفعالية غير سارة تصحبها ردود فعل حركية مختلفة نتيجة توقع مكروه أو أن يكون المزاج مضطربا فينطوي على اضطرابات انفعالية قد تسبب شعورا متواصلا بالحزن وعدم وجود الطاقة اللازمة للتفكير والتركيز وفقدان الاهتمام بالأمور المعتادة.

في الحقيقة إن للندم تأثيرا فعّالا إذا تم بصورة إيجابية وتم استغلاله استغلالا حسنا واستثماره بشكل مناسب، إذ هو سبب في مساعدة الإنسان على معرفة أسباب تفكيره وإدراك أسباب تصرفاته التي أوصلته إلى تلك النتائج ومحاولة تجنبها في التجارب اللاحقة وتفاديها في المواقف القادمة والابتعاد عنها في التصرفات المقبلة، ولكي يتوقف الإنسان عن الانشغال بالتفكير والتحسر على أخطاء قد حدثت في الماضي وانتهت؛ فعليه أن يعرف ويفهم ويدرك قاعدة أساسية وهي أن الخطأ من طبيعة البشر وأن الاعتراف به والندم عليه والعزم على عدم الرجوع إليه أو الوقوع فيه هو الطريق الأصلح والسبيل الأنسب والمنهج الأفضل.