عبدالله قاسم العنزي

نظام تعزيز استعمال اللغة العربية

الاثنين - 27 مارس 2023

Mon - 27 Mar 2023

الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي يسعى دائما للتواصل مع أبناء قومه وأفراد مجتمعه؛ لذا كان لكل فرد يولد في مجتمع ما له لغته الخاصة، كما تعتبر اللغة أهم وسيلة يتواصل بها الإنسان مع أفراد مجتمعه.

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين» وفي هذه الآية الكريمة دلالة على أن لكل قوم وأمة لغة خاصة بها، وهذا دليل على نفاذ مشيئة الله واختياره؛ لذا اختار الله لهذه الأمة وشرفها باللغة العربية لتكون لها هوية خاصة مستقلة بها عن سائر الأمم، قال الله تعالى: «ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون، قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون» وقال سبحانه في موضع آخر من القرآن: «فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون» أي باللغة العربية التي هي لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - ولسان القوم الذين بعث فيهم، والعربية هي أكثر الألسنة وأعربها وأفصحها وأبينها وهي اللغة الدائمة إلى يوم القيامة، فكثير من اللغات انقرضت تماما منذ زمن بعيد فلم يبق منها إلا آثار قليلة منقوشة أو مخطوطة مثل اللغة السومرية والأكادية في العراق والآرامية في الهلال الخصيب والسبئية في جنوب الجزيرة العربية والسينسيكريتية في الهند واللاتينية في أوروبا والمصرية القديمة في مصر وغيرها من اللغات التي ماتت بالكلية، بل لا يوجد لغة حتى الآن يفهما الناطقون بها جيلا بعد جيل منذ مئات القرون مثل اللغة العربية التي لا تزال متماسكة بفصاحتها ووضوحها في المعاني والدلالات فهؤلاء أبناؤنا في الإعدادية يقرؤون نصوصا ويحفظونها تعود إلى العهد الجاهلي والتاريخ الأموي والعباسي فهذا الامتداد التاريخي العميق المتماسك يدعو بعض أبناء العرب بإعادة النظر في ماهية مقومات هويتهم، فنحن نعلم أنه لا يوجد مجتمع يستطيع أبناؤه قراءة وفهم نصوص يعود تاريخها إلى القرن السادس أو السابع ميلادي!

وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية بالسعي إلى تشريع نظام خاص بتعزيز استعمال اللغة العربية بحيث تكون الدوائر الحكومية وغيرها ملزمة في استعمالها إلا في حدود مستثناة تدعو لها الضرورة وهو ما صرحت به أكثر من وسيلة إعلامية بأن مجلس الشورى وافق على مشروع نظام تعزيز استعمال اللغة العربية.

وعود إلى أهمية اللغة العربية نجد الكثير من الدول الناطقة بغير العربية تهتم جامعاتها بلغة القرآن ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تنشئ أقساما متخصصة تعنى بتدريس اللغة العربية والتعريف بآدابها وتراثها!

واللغة العربية هي أقوى الروابط القومية بين الشعوب العربية بل إنها أوثق متانة من العلاقات الاقتصادية والمصالح السياسية حيث بها توطيد العلاقات الثقافية والإعلامية وبها تتقوى الروابط العرقية.

إن هذا النظام الذي يترقب صدوره بلهفة يجعلنا أكثر اعتزازا بلغتنا حيث إن الاهتمام الرسمي من قبل الدول العربية بلغتها التي هي مصدر هويتها يعزز ذلك في نفوس أبناء الشعوب العربية مكانة اللغة العربية سيما أن بعض اللغات طغى استخدامها -للأسف- بصورة مستفزة من بعض أبناء العرب كوسيلة تواصل فيما بينهم! وهذه في الحقيقة ظاهرة سيئة ومشكلة مؤلمة فبينما الدول غير الناطقة بالعربية تهتم بتعليم اللغة العربية نجد من أبناء العرب من ينسلخ من هويته ويجعل لغة أخرى -يخلطها- مع لغته الأم ويجعل منها أساسا للتواصل مع أبناء قومه، فقد عجبت ذات يوم وهي مواقف متكررة كنا في اجتماع عمل في إحدى الشركات وكلنا عرب وأبناء عرق واحد ومع ذلك من بيننا في ذلك الاجتماع من -يخلط- بعض المفردات والجمل الأعجمية في كلامه على الرغم من أن سياق الكلام والحديث لا يتطلب استخدام مفردات وجمل من هذا النوع، ولكن هي ملامح الانسلاخ من الهوية والذوبان في الآخر.

55_expert@