شاهر النهاري

حطِم الرموز .. تبرز

الثلاثاء - 17 يناير 2023

Tue - 17 Jan 2023

حداثة منحرفة بائسة تذبح مفاهيم الأخلاق والوفاء، وتظهر تعاظم العقد النفسية على أشنع أحوالها، أصبحت متلازمة للعصر، الذي يتبرأ من الماضي، ويبحث عن الوجود على كتل رماد إحراق الرموز.

وكتاب «احتياطي» للأمير هاري، بمبيعاته الخرافية ليس الأول في العقوق، ولن يكون الأخير، فكل الظروف الحالية تحكي عن الاهتزاز المعنوي الذي يبحث عن ترقي المخرب بالإساءات إلى رموز أحياء، وكيانات راحلة، لمجرد إيجاد مكان له بين حكايات التاريخ، ولعلم صاحبه أنه لا يمتلك القيمة.

ومتلازمة عصرنا تتحقق بطموحات الأنفس المشوبة بالعقد النفسية، وشبهة المخدرات، والمؤامرات يقصد من ورائها سلخ الشعوب من تاريخها، وأصولها، فيهاجم الناكر الحاسد الخاضع للمغريات، أول ما يهاجم رموز أهله وتاريخه.

هاري مثال لطماع يريد كل الحقوق والتفرد والنجومية وتخطي قدر سابقيه في سلالم الملكية، بعد معرفة أن التاريخ والأصول والواقع والحياة تمنعه، فيقرر بمؤامرة كيد واحتيال أن يضرب بالأخلاق عرض الحائط، دون احترام مقامات وقوانين سلف أسرته، وحقوق الموجودين ودرجاتهم التي لا يمكن تخطيها، إلا بالطعن في الظهر، فتبنى خيانة عظيمة دبرها مع زوجته، التي حلمت بسطوة نجومية هوليود، وعندما فشلت بإمكانياتها، وعدم محبة الناس لها، بحثت عن باب خلفي لتصل إلى الجماهيرية والتعاطف، وباستغلال ذات قصص الديمقراطيين الحاليين باتهام من يقابلهم بالنقص والعنصرية، فأمعنت وهاري في تحطيم كيانات أسرة ملكية أصيلة ضاربة في عمق التاريخ، لها قيمتها ومحبيها وبروتوكولاتها ورمزيتها. ورغم أن العائلة الذهبية تواضعت وتفهمت وكسرت الكثير من وجودها، لترضي تعلق ابنها العاق بزوجة أتت من حطام أسرة تعيسة.

الأسرة الملكية «رضت بالهم، والهم لم يرتض بها»، فاستُغِل الابن المهزوز الطماع لتحطيم صرح مملكة أجداده العريقة، وزاد عليها بتحطيم سمعة جيش بلاده، وشرشح ذاته، متأثرا بسكناه في أمريكا، وخضوعه لعوامل غرور وفصام وطمع وحب في الانتقام.

في أمريكا ديمقراطية حالية أظهرت جيلا يتعبد بالنكران ويتبارى في تحطيم تاريخ ودستور ورموز وتماثيل وصور عظمة أمريكا وديمقراطيتها، بفراغ عقليات طائشة تحاكم التاريخ، وتصدر الأحكام المستهجنة على الأموات بأغراض البروز، وبشكل مضحك مقلق مبك.

وعندنا نحن العرب والمسلمين، وعندهم خير، فتتكرر بيننا محاولات النيل من الماضي، وتشويه التراث، وتحطيم الرموز الدينية، والتاريخية، والسياسية، وحتى المفكرين، وكأنهم يعيشون معنا في وقتنا الحاضر، نحاكمهم، بعصرنا ومكتشفاتنا الحالية، وبقوانين وأحقاد صنعتها منظمات حقوق الإنسان، ودعاة الحريات والتفسخ والنسويات والشذوذ، وبمنطق سياسي عصري معوج، استحضر من جنون تنظيرات الأمم الحالية، غباء إعادة الشريط لمئات السنين، ومعاقبة الرموز على ما اكتشفناه في حاضرنا، ومما لم يكن متضحا حينها!

هذا هو الإفلاس والضعف بعينه، فلا مانع أن نجدد وأن نكتشف، وأن نبصر ما لم يره السابقون، ولكن دون تحطيم جهودهم وماضيهم بكسارات جنوننا وعقدنا وأطماعنا ونزواتنا.

من أراد أن يكون رمزا للقادم، لا يليق به أن يرتقي فوق حطام الماضي، فمن لا ماض له، لا مستقبل أمامه، والتاريخ لا ينسى.

المحرضون على تحطيم الرموز، هم أشخاص وكيانات تافهة تريد أن تكون، وتعرف أنها لا تستحق، فتلجأ للفُجر في الخصومة وتشويه وتحطيم الرموز، لتبدو عظيمة مفكرة مجددة، ولو بنشاز أفعالها، وأحقادها، وأمراضها النفسية، وهي تحارب من رحلوا، بسيوف عقوق، ونكران ووهم وتزوير.

shaheralnahari@