عبدالله العولقي

التكنولوجيا وقراءة التاريخ القديم

السبت - 24 ديسمبر 2022

Sat - 24 Dec 2022

يرى بعض المؤرخين أن هناك فجوة غامضة وقعت بين التاريخ القديم لجغرافيا الشرق الأوسط وبين تاريخها الوسيط.

فالحضارة المصرية ظلت ظاهرة أمام المصريين بأهراماتها وآثارها ونقوشها، بيد أن لغتها المقيدة على الجدران ظلت غامضة لقرون مديدة، وذات الأمر ربما يتكرر في بعض الجغرافيا الأخرى كالعراق والشام وحتى تاريخ الجزيرة العربية القديم، وربما أسهمت التوراة المحرّفة أو ما تسمى في تراثنا العربي بالإخباريات بتعبئة تلك الفجوات الزمنية بالأساطير والقصص والحكايات المروية، وقد ساعدت الثقافات القديمة التي كانت شفاهية ولم تكن كتابية، على توسيع تلك الإخباريات كمصدر معرفي، ثم أسهم التدوين الكتابي في العصر العباسي باعتمادها المصدر الرئيس للمعرفة التاريخية، مما أسهم في تضبيب الصورة الحقيقية للتاريخ القديم.

أولى هذه النقلات النوعية في إيجاد مصادر معرفية أخرى للتاريخ القديم، كانت عبر الرحالة المستشرقين في القرنين التاسع عشر والعشرين، فأسهم الفرنسي شامبليون في فك رموز اللغة الفرعونية القديمة الهيروغليفية، التي أسهمت كثيرا في اكتشاف تلك الفجوة الغامضة في التاريخ المصري القديم، وخلالها عرفنا ترتيب الأسر الحاكمة ،وكثيرا من الأحداث المصرية القديمة. ولو أخذنا مثلا الرحالة الإنجليزي الشهير هاري سانت جون فيلبي، الذي التقى الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وأعجب بشخصيته وقد أسلم لاحقا وسمي بالحاج عبدالله فيلبي، وقد ساعده الملك عبدالعزيز وقدم له المعونة في إكمال رحلته إلى غالب بقاع الجزيرة العربية، وتعد مذكراته ذخيرة معلوماتية فخمة لتاريخ الجزيرة العربية، ويحسب له اكتشاف كثير من الكتابات التاريخية المدونة على صخور وجبال الجزيرة العربية في شمالها وجنوبها، وترجمتها من أصولها المسندية أو الثمودية إلى اللغة العربية الحديثة، فكان له مساهمة فخمة في معرفة الدول والحضارات التي سادت قديما في الجزيرة العربية.

في بداية القرن الحادي والعشرين، فتحت لنا التكنولوجيا مصدرين تقنيين مهمين في معرفة التاريخ القديم، الأولى: هي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتي أصبح خلالها تحليل الوثائق التاريخية وإكمال بقية النصوص الناقصة التي أتلفت نتيجة عوامل الزمن أو الإهمال، كما يمكن خلال هذه التقنية إعادة تشكيل وجوه البشر الذين عاشوا في تلك الحقب البعيدة، خلال محاكاة التماثيل أو المجسمات المنحوتة أو المومياوات أو الرسومات!. والثانية، هي تقنية الشفرة الجينية DNA، التي أدت إلى تأسيس علم جديد أطلق عليه علم الجينات البشرية، وهي تقنية حديثة تظهر السلالة البشرية التي ينتمي لها الفرد، وهو علم لا يزال في أطواره الأولى بيد أن المهتمين به يرونه يتقدم بصورة متسارعة في كشف كثير من غموض التاريخ البشري، كما يفسر طرق الهجرات البشرية القديمة، ولا يزال هذا العلم يتحفنا بمفاجآت علمية مثيرة حول حقيقة التاريخ القديم.

وفي الختام، هل ستغير التكنولوجيا الحديثة من نظرتنا للتاريخ البشري القديم، بمعنى أن التاريخ سيكتب من جديد أم أن للإخباريات القديمة والمرويات الموروثة أثقال تنوء بذهننا الجمعي لقرون مديدة متجذرة في الماضي، ومن المستحيل التحرر منها، وسيظل لها حضورها الموازي في تفسيرنا لأحداث التاريخ القديم؟!

albakry1814@