محمد علي الحسيني

عيسى ابن مريم في المنظور الإسلامي

الأحد - 18 ديسمبر 2022

Sun - 18 Dec 2022

يحظى الأنبياء عليهم السلام بمقام عظيم ومكانة مقدسة في الإسلام، باعتبارهم رسل الله إلى خلقه لهدايتهم إلى سواء السبيل، وهو القائل سبحانه وتعالى: «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك، منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله، فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون».

ومن بين رسل الله الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام، وعلى رسولنا الأكرم أفضل الصلاة والسلام، والذي أولاه اهتماما كبيرا، وهو الذي بشر بخاتم الأنبياء والرسل محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)، «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد»، وهو من أولي العزم من الرسل، بعثه الله سبحانه وتعالى إلى بني إسرائيل مبلغا كلمات ربه ورسالته، وجاء بالمعجزات مذ كان في المهد صبيا»، «قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا، وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ، وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُ وَيَومَ أَموتُ وَيَومَ أُبعَثُ حَيًّا».

(الإسلام يؤمن بنبوة عيسى) عندما لجأ المسلمون إلى النجاشي ملك الحبشة الذي كان نصرانيا حينها، وقد فروا من الظلم والعذاب الذي تعرضوا له في مكة، بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) مع ابن عمه جعفر رضي الله عنه رسالة إلى ملك الحبشة يقول فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإني أحمد إليك الملك القدوس، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى»، وهي رسالة تلخص إيمان المسلمين بنبوة عيسى عليه السلام، بل إن النجاشي رغب في معرفة ما جاء في القرآن عن النبي عيسى، فقال له جعفر نقول فيه ما جاء في كتاب الله: «واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتخذت من دونهم حجابا، فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا»، إلى آخر الآيات من سورة مريم، وهي سورة سميت باسم الصديقة الطاهرة أم المسيح عليهما السلام، في إشارة واضحة إلى مكانة المسيح وأمه في القرآن الكريم، ولا شك أن رسالة النبي محمد إلى ملك الحبشة تؤكد إيمان كل مسلم بنبوة المسيح عليه السلام، بل إن القرآن ذكر اسم عيسى خمسة وعشرين مرة، وإحدى عشرة مرة بلفظ «المسيح» وست عشرة مرة بلفظ «عيسى ابن مريم»، وسبع عشرة مرة بلفظ «ابن مريم»، وقد ذكر محطات حياة المسيح عليه السلام من المهد إلى أن رفعه الله تعالى إليه: «إذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ».

(رسالة عيسى ومحمد من مشكاة واحدة) بالعودة إلى النجاشي وموقفه من رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)، فإننا نجده قد آمن بها وهو الذي قال بعد سماعه لجعفر وهو يتلو آيات من سورة مريم: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة»، والتأكيد احتفى نبيُّنا المصطفى محمَّد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ) بأخيه المسيح، في مناسبات كثيرة، وبصور متعددة، تلفت الانتباه، وتبعث البهجة، فتارة يُقدِّمه بالمدح والثناء، وتارة بذِكر صفاته وأوصافه الخَلْقية، وتارة بذكر مواقفه مع الناس، أوْ ذِكْر مواعظه ووصاياه، وتارة ينافح عنه ويدفع ما لِحق به مِن أذى أوْ بهتان.

لذلك، فإن الدعوة التي جاء بها النبي محمد وعيسى عليهما السلام من مصدر واحد، لغاية واحدة تقوم على التوحيد والإيمان بالله ورسله، وهو القائل سبحانه وتعالى: «مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَن اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ»، كما أنه نهى عن الشرك في قوله: «وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ»، كما أن المسيح جاء ليبين ما أمره به عز وجل: «ولأحل بعض الذي حرم عليكم»، و»لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه»، وقد دعا المسيح إلى ترسيخ قيم العدالة والمساواة بين البشر، وتعزيز التسامح ونبذ الظلم، وهي التعاليم نفسها التي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي بعث رحمة للعالمين، وليتمم مكارم الأخلاق.