باسل النيرب

من أشكال الأخبار الكاذبة.. التضليل المبني على نظرية المؤامرة

الثلاثاء - 13 ديسمبر 2022

Tue - 13 Dec 2022

إن التضليل الإعلامي الذي نشهده اليوم يتجاوز بشكل كبير التضليل الإعلامي الذي كان يمارس في فترات سابقة، وهو تضليل إعلامي ناتج في جزء كبير منه عن الطفرة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها؛ غير أن هذه المنصات الافتراضية لا تتحمل وحدها المسؤولية فهي في نهاية المطاف مجرد أدوات، فدعاة نظريات المؤامرة يلعبون دورا في تفاقم هذه المعضلة.

ويسهم التضليل المبني على نظرية المؤامرة في انتشار وتداول الأخبار الكاذبة، ويقع دعاة نظريات المؤامرة بين فكي صانعي ومروجي الأخبار الكاذبة، حيث تسهم طبيعة تشكيل عقلية مروجي نظرية المؤامرة بربط الأحداث الكبيرة بمعتقداتهم، مما يجعل نظرتهم للحياة مختلفة وبعيدة عن الواقع، ويدفعهم هذا الشعور إلى الدفاع عن نظريتهم.

وتشتمل نظريات المؤامرة على كيان أو جهة أو شخص مسؤول عن التآمر على الشخص المؤمن بنظرية المؤامرة، والاقتناع بكونه ضمن فريق الضحية، فتضطر حالته النفسية إلى الابتعاد عن الحقائق المبسطة والمساهمة في ترويج ونشر الأخبار الكاذبة ذات النظريات المعقدة، لذا فإن الحقيقة بالنسبة لهم هي ما يتوافق مع نظرتهم الخالية من التفكير العقلاني والبعيدة أيضا عن قبول انتقادها.

وحتى تنتشر نظرية المؤامرة فلا بد من وجود عاملين أساسيين، أولا وقت إطلاق الموضوع، والثاني العاطفة وهو الأمر الذي يعجل في قبول واستمالة الجمهور نحو القصة المضللة، فهي تستدعي مشاعر القبول والتأييد والنشر والتبني دون تكبد عناء البحث عن الحقيقة والنتيجة التفاعل والقبول نتيجة للجهل بالقصة المنشورة، وانعدام الوعي بأهمية التبين من صحة ما نشر، وتجاهل الحذر من التفاعل مع المادة المنشورة.

وفي تفسير طبيعة عقول أتباع نظريات المؤامرة فهي بسيطة ومع ذلك فهم مهووسون بالبحث عن المكانة ومهمشون يريدون مشاهدة العالم يحترق ويبحثون عن أي سبيل يتعلق بالعاطفة حتى تنشر وتروج معتقداتها ومبادئها من خلال الربط بشكل غير منطقي وعلمي بينها وبين ما تراه من أخبار مزيفة لتصديقها، واتباعها بدلا من التحقق منها بطريقة علمية، والكثير من أتباع ومروجي نظريات المؤامرة يؤمنون بلا مصادفة نهائيا وفي كل الأمور هناك من يقف وراءها من قبل مخطط عالمي يستهدفهم.

وتعمل مجموعات نظريات المؤامرة للنشر الإعلامي ومشاركة المعلومات على تعبئة المجموعة للنزاع وتنسيق الانتباه، وأخيرا التعبير عن الالتزام، وغالبا المنتمون تحت لواء نظريات المؤامرة يطرحون المشكلة التي تتعرض لها المجموعة بطريقة ملفتة للانتباه مما يجعل المجموعة تتكاتف وتتعاطف مع الحدث، وغالبا ما تتضمن أحداثا غير دقيقة وهذا يسهم في أفضل جهد لتعبئة وتنسيق انتباه المجموعة من خلال المبالغة في تقدير التهديد الفعلي، وهذا بدوره يخلق الالتزام في النشر أو التعاطي مع الحدث من خلال التركيز على إشارات الولاء.

وما سمح بتعزيز وانتشار نظريات المؤامرة طبيعة عمل خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي التي توزع المحتوى حسب طبيعة ورغبة وميول كل مستخدم، وبذلك تؤسس لبيئة مثالية لتفشي التضليل من خلال اقتراح محتوى متوافق مع ما يشاهده مثلا أو ما تم البحث عنه في مرات سابقة، كما أن طريقة عمل محركات البحث تعزز من فرضيات انتشار نظريات المؤامرة، فهي لم تخف البحوث المزيفة؛ ولم تعط إشارات على وجود محتوى مظلل، وفي غرف الأخبار تنتشر أخبار نظريات المؤامرة تحت عنوان المحتوى الرائج مما يدفع بالمضللين إلى استغلال تلك الفجوة عن طريق بث الأخبار غير الدقيقة لعدم توفر محتوى دقيق تم التحقق من مصادره.

وأخيرا إن كانت المعرفة لا تحمي من تصديق الأشياء الخاطئة؛ فإن القدرة على التحقق والقدرة على التفكير النقدي هما من تسهمان في الكشف عن نظريات المؤامرة المرتبطة بالتضليل الإعلامي.

B_Nerab@