أوبرا زرقاء اليمامة بصيرة لا متناهية للمرأة العربية الملهمة
السبت - 11 مايو 2024
Sat - 11 May 2024
أتحفتنا هيئة المسرح والفنون الأدائية بتجربة أول أوبرا في السعودية باللغة العربية وبقصة من أساطير نساء الجزيرة العربية.. زرقاء اليمامة.
شاهدتها الأسبوع الماضي مع كوكبة من الصديقات اللاتي أثار الفضول كل منهن بشكل مختلف، منا من يهمها الفن وكيفية معالجته، ومنا من تحضر هذه المناسبات خارج المملكة وكانت تجربة الداخل ذات مذاق مختلف، ومنا من كان لديها فضول تاريخي، وأخرى فضول نسوي لمراجعة تواريخ النساء، ومنا من ترغب أن تستكشف الموقع الجميل الذي جرى تحديثه لصالة الأوبرا، ومنا من ترغب في أن تكون جزءا من هذا التاريخ الذي يسطر لأول مرة في الرياض، بل في المملكة.
الأهداف مختلفة والقرار واحد.. الذهاب ومشاهدة الحدث رأي العين.
مركز الملك فهد الثقافي الذي تم بناؤه في الثمانينات من القرن الماضي اكتسى حلة جديدة بالعمران السلماني من الداخل والخارج مما أكسبه رونقا مميزا لاسيما بعد أن غطته الإضاءة الزرقاء فأصبح كفيروزة في وسط الصحراء المطلة على وادي حنيفة.
أذكر أن أول مرة رأيت فيها صورة لهذا البناء بقبته الذهبية المميزة له كان ضمن صورة خلفية لأصدقاء ألمان مع أبنائهم في نهاية الثمانينات كانوا حريصين على أن يروها وسط تعجب من شكل البناء ودوره.
قالوا لي إن اسم المبنى هو «بيت الأوبرا».
لم أستوعب الأمر آنذاك ونحن في وسط تحريم كل نوتة موسيقية وكل آلة وكل نغمة.
لكنهم كانوا مصرين بأن هذا ما أبلغ
وا إياه من قبل المرشد الذي أخذهم إليه، وأن هناك نية وعزما على إدخال هذا الفن إلى السعودية.
طبعا مضت السنوات والعقود ولم يعقد في ذلك المبنى إلا عدد بسيط من المؤتمرات واللقاءات العلمية والإعلامية، باعتبار أنه كان تابعا لوزارة الإعلام، كان إحداها اللقاء العلمي للجمعية السعودية للآثار ومعرض الآثار في عيون الفن الذي كنت مشرفة عليه عام 2010.
ومن ثم في العقد الثاني من الألفية الحالية، شهد المركز عددا من العروض الفنية والثقافية، لكن في كل هذه السنوات لم ترد أوبرا على الخط أبدا حتى هذا اليوم.. 25 أبريل من عام 2024 ولمدة عشرة أيام تم عرض أول أوبرا سعودية وباللغة العربية، ينطقها أعاجم، وإن كان العرض الأول والافتتاحي لهذه الأوبرا تم في لندن الشهر الماضي بتاريخ 15 فبراير، دشنه وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.
كان العرض مبهرا في ألوانه وموسيقاه وخلفياته وملابسه وديكوراته، فضلا عن قاعة المسرح ومدرجات الجمهور بتصميمه الهندسي المختلف.
لقد استنفرت هيئة المسرح لهذا المشروع خلال ثلاث سنوات من التجهيز والإعداد المعقد لما يتطلبه هذا الفن، كل ما في وسعها لاستقطاب أهم الأسماء اللامعة في عالم الأوبرا من مغنيات سوبرانو بدرجاتهن المختلفة ومغنين من قادة هذا الفن الرفيع الحاصلين على أهم الجوائز في هذا المضمار، وأفضل الملحنين الموسيقيين والمخرجين والمصممين وفرقة الجوقة الموسيقية والعازفين.
كان التشكيل مبهرا في تنوعه العالمي والذي يمثل 15 جنسية، مع عدد من الممثلين المساعدين السعوديين منهم ثلاثة في مجال الغناء الأوبرالي سوسن الهيتي (سوبرانو)، خيران الزهراني (تينور)، وريماز عقبي (سوبرانو) ومصممة الإكسسوارات المسرحية ميساء الرويشد.
كانت كل شخصية من شخصيات المسرحية النسائية أو الرجالية من دولة مختلفة، زرقاء اليمامة أدت دورها كل من ديم سارة كونولي وتالي نايتس (ميزو سوبرانو) البريطانيتين، الملحن أسترالي، قائد الأوركسترا إسباني لكن الأوركسترا السيمفونية ألمانية (درسدن)، الكورال الفيلهارموني تشيكي، وقائد ومدرب الأصوات مصري في الكورال التشيكي، المخرج سويسري، وجمهور الممثلين الذي يصل إلى 250 شخص، في غالبيتهم سعوديون، بينهم عدد من الأطفال كذلك، لكن النص الشعري كان سعوديا بامتياز من عمل الشاعر الدكتور صالح الزمانان، والذي حور نصه فنيا حتى يتمكن من مواءمة النص الأوبرالي والذي يطلق عليه ليبريتو.
الحدث وإن كانت لغته صعبة عند بداية الاستماع إلى لغة عربية تبدو كأنها تصدر من آلة ناطقة، لكنها عربية في نهاية المطاف، ونطق بها كل فنانو الأوبرا، وهو تحد كبير نجحت فيه الهيئة. فعروض الأوبرا قد تكون باللاتينية أو الإيطالية ويؤديها المغنون دون أن يتقنوا لغتها، لكنها لغة النص الفني ويحفظوها بنطقها الأوبرالي والذي هو طبقة معينة من الصوت تصدر هذا النوع من الفن المرتبط بأوروبا وبإيطاليا القرن السادس عشر بالتحديد. وإن كان السؤال يبقى، لماذا لم يتم استقطاب أصوات عربية أوبرالية وهي متوفرة في البلدان التي سبقتنا في هذا الفن.
لكن يبدو أن الهيئة كانت استراتيجيتها تنويع الإنتاج بالأصوات العالمية التي تسمح لإنتاجها أن يؤدى عبر مسارح العالم بلغة عربية تنقل إحدى قصصنا الثرية، قصة امرأة ألهمت آلاف الشعراء والأدباء عبر التاريخ بقصة بصرها الحاد وبصيرتها النافذة وحكمتها العابرة للزمن لتجسد الصراع الإنساني والذي التي يمكن أن ينطبق على أي مجتمع وشعب.
وفق ما فهمت من الأستاذ سلطان البازعي، رئيس هيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة، أن هناك عملا دؤوبا للاستثمار في القدرات السعودية الصاعدة في هذا الفن الجديد على الذائقة السعودية والعربية، وأن الفنانين الثلاثة الذين شاركوا في مقدمة عرض الأوبرا يخوضون الآن دورات تدريبية مكثفة في روما لإعدادهم فنيا وصوتيا.
ومن الواضح أن هناك خطة لتأسيس فن الأوبرا على قاعدة راسخة تضمن استمراريته لاحتواء كافة الطاقات والألوان الفنية.
نقل تاريخنا وقصصنا التي لم ترو بعد إلى العالم عن طريق الأشكال الفنية والموسيقية المختلفة يعتبر استراتيجية تحمد لهيئة المسرح، والتاريخ مجال خصب للأوبرا بالذات لقيام حبكتها على الدراما والصراع الذي يسمح للطبقات الصوتية العالية جدا والقرار جدا أن تعبر عن هذه القصص والملاحم.
مما يميز الأوبرا أنها تقدم مع فرقة الأوركسترا حية على المسرح وتحت المسرح وترافقها بالإضافة للمغنيين الأوبراليين، الجوقة الأوبرالية التي تتميز بتدريب خاص بهذا النوع من العروض وهو الذي كما يبدو أضاف تعقيدات لم يعهدها الوسط الثقافي السعودي على هذا الإنتاج الكبير.
من أجمل فقرات الأوبرا كان ضم العود والناي إلى أوركسترا العرض وتخصيص عزفهما منفردا في كل فصل من فصلي المسرحية التي توافقت مع درجات الألحان الممتزجة بالألحان السعودية مع أداء شعري لطفلة سعودية مثلت الحكمة الممتدة إلى الحاضر.
ملاحظة أخيرة على مبنى مركز الملك فهد الثقافي فمع تجهيزه الحديث وإعادة ترميمه، إلا أنه ما زال محتاجا لتوفير مصاعد لذوي الاحتياجات الخاصة للدور الثاني التي لم تكن متيسرة.
شاهدتها الأسبوع الماضي مع كوكبة من الصديقات اللاتي أثار الفضول كل منهن بشكل مختلف، منا من يهمها الفن وكيفية معالجته، ومنا من تحضر هذه المناسبات خارج المملكة وكانت تجربة الداخل ذات مذاق مختلف، ومنا من كان لديها فضول تاريخي، وأخرى فضول نسوي لمراجعة تواريخ النساء، ومنا من ترغب أن تستكشف الموقع الجميل الذي جرى تحديثه لصالة الأوبرا، ومنا من ترغب في أن تكون جزءا من هذا التاريخ الذي يسطر لأول مرة في الرياض، بل في المملكة.
الأهداف مختلفة والقرار واحد.. الذهاب ومشاهدة الحدث رأي العين.
مركز الملك فهد الثقافي الذي تم بناؤه في الثمانينات من القرن الماضي اكتسى حلة جديدة بالعمران السلماني من الداخل والخارج مما أكسبه رونقا مميزا لاسيما بعد أن غطته الإضاءة الزرقاء فأصبح كفيروزة في وسط الصحراء المطلة على وادي حنيفة.
أذكر أن أول مرة رأيت فيها صورة لهذا البناء بقبته الذهبية المميزة له كان ضمن صورة خلفية لأصدقاء ألمان مع أبنائهم في نهاية الثمانينات كانوا حريصين على أن يروها وسط تعجب من شكل البناء ودوره.
قالوا لي إن اسم المبنى هو «بيت الأوبرا».
لم أستوعب الأمر آنذاك ونحن في وسط تحريم كل نوتة موسيقية وكل آلة وكل نغمة.
لكنهم كانوا مصرين بأن هذا ما أبلغ
وا إياه من قبل المرشد الذي أخذهم إليه، وأن هناك نية وعزما على إدخال هذا الفن إلى السعودية.
طبعا مضت السنوات والعقود ولم يعقد في ذلك المبنى إلا عدد بسيط من المؤتمرات واللقاءات العلمية والإعلامية، باعتبار أنه كان تابعا لوزارة الإعلام، كان إحداها اللقاء العلمي للجمعية السعودية للآثار ومعرض الآثار في عيون الفن الذي كنت مشرفة عليه عام 2010.
ومن ثم في العقد الثاني من الألفية الحالية، شهد المركز عددا من العروض الفنية والثقافية، لكن في كل هذه السنوات لم ترد أوبرا على الخط أبدا حتى هذا اليوم.. 25 أبريل من عام 2024 ولمدة عشرة أيام تم عرض أول أوبرا سعودية وباللغة العربية، ينطقها أعاجم، وإن كان العرض الأول والافتتاحي لهذه الأوبرا تم في لندن الشهر الماضي بتاريخ 15 فبراير، دشنه وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.
كان العرض مبهرا في ألوانه وموسيقاه وخلفياته وملابسه وديكوراته، فضلا عن قاعة المسرح ومدرجات الجمهور بتصميمه الهندسي المختلف.
لقد استنفرت هيئة المسرح لهذا المشروع خلال ثلاث سنوات من التجهيز والإعداد المعقد لما يتطلبه هذا الفن، كل ما في وسعها لاستقطاب أهم الأسماء اللامعة في عالم الأوبرا من مغنيات سوبرانو بدرجاتهن المختلفة ومغنين من قادة هذا الفن الرفيع الحاصلين على أهم الجوائز في هذا المضمار، وأفضل الملحنين الموسيقيين والمخرجين والمصممين وفرقة الجوقة الموسيقية والعازفين.
كان التشكيل مبهرا في تنوعه العالمي والذي يمثل 15 جنسية، مع عدد من الممثلين المساعدين السعوديين منهم ثلاثة في مجال الغناء الأوبرالي سوسن الهيتي (سوبرانو)، خيران الزهراني (تينور)، وريماز عقبي (سوبرانو) ومصممة الإكسسوارات المسرحية ميساء الرويشد.
كانت كل شخصية من شخصيات المسرحية النسائية أو الرجالية من دولة مختلفة، زرقاء اليمامة أدت دورها كل من ديم سارة كونولي وتالي نايتس (ميزو سوبرانو) البريطانيتين، الملحن أسترالي، قائد الأوركسترا إسباني لكن الأوركسترا السيمفونية ألمانية (درسدن)، الكورال الفيلهارموني تشيكي، وقائد ومدرب الأصوات مصري في الكورال التشيكي، المخرج سويسري، وجمهور الممثلين الذي يصل إلى 250 شخص، في غالبيتهم سعوديون، بينهم عدد من الأطفال كذلك، لكن النص الشعري كان سعوديا بامتياز من عمل الشاعر الدكتور صالح الزمانان، والذي حور نصه فنيا حتى يتمكن من مواءمة النص الأوبرالي والذي يطلق عليه ليبريتو.
الحدث وإن كانت لغته صعبة عند بداية الاستماع إلى لغة عربية تبدو كأنها تصدر من آلة ناطقة، لكنها عربية في نهاية المطاف، ونطق بها كل فنانو الأوبرا، وهو تحد كبير نجحت فيه الهيئة. فعروض الأوبرا قد تكون باللاتينية أو الإيطالية ويؤديها المغنون دون أن يتقنوا لغتها، لكنها لغة النص الفني ويحفظوها بنطقها الأوبرالي والذي هو طبقة معينة من الصوت تصدر هذا النوع من الفن المرتبط بأوروبا وبإيطاليا القرن السادس عشر بالتحديد. وإن كان السؤال يبقى، لماذا لم يتم استقطاب أصوات عربية أوبرالية وهي متوفرة في البلدان التي سبقتنا في هذا الفن.
لكن يبدو أن الهيئة كانت استراتيجيتها تنويع الإنتاج بالأصوات العالمية التي تسمح لإنتاجها أن يؤدى عبر مسارح العالم بلغة عربية تنقل إحدى قصصنا الثرية، قصة امرأة ألهمت آلاف الشعراء والأدباء عبر التاريخ بقصة بصرها الحاد وبصيرتها النافذة وحكمتها العابرة للزمن لتجسد الصراع الإنساني والذي التي يمكن أن ينطبق على أي مجتمع وشعب.
وفق ما فهمت من الأستاذ سلطان البازعي، رئيس هيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة، أن هناك عملا دؤوبا للاستثمار في القدرات السعودية الصاعدة في هذا الفن الجديد على الذائقة السعودية والعربية، وأن الفنانين الثلاثة الذين شاركوا في مقدمة عرض الأوبرا يخوضون الآن دورات تدريبية مكثفة في روما لإعدادهم فنيا وصوتيا.
ومن الواضح أن هناك خطة لتأسيس فن الأوبرا على قاعدة راسخة تضمن استمراريته لاحتواء كافة الطاقات والألوان الفنية.
نقل تاريخنا وقصصنا التي لم ترو بعد إلى العالم عن طريق الأشكال الفنية والموسيقية المختلفة يعتبر استراتيجية تحمد لهيئة المسرح، والتاريخ مجال خصب للأوبرا بالذات لقيام حبكتها على الدراما والصراع الذي يسمح للطبقات الصوتية العالية جدا والقرار جدا أن تعبر عن هذه القصص والملاحم.
مما يميز الأوبرا أنها تقدم مع فرقة الأوركسترا حية على المسرح وتحت المسرح وترافقها بالإضافة للمغنيين الأوبراليين، الجوقة الأوبرالية التي تتميز بتدريب خاص بهذا النوع من العروض وهو الذي كما يبدو أضاف تعقيدات لم يعهدها الوسط الثقافي السعودي على هذا الإنتاج الكبير.
من أجمل فقرات الأوبرا كان ضم العود والناي إلى أوركسترا العرض وتخصيص عزفهما منفردا في كل فصل من فصلي المسرحية التي توافقت مع درجات الألحان الممتزجة بالألحان السعودية مع أداء شعري لطفلة سعودية مثلت الحكمة الممتدة إلى الحاضر.
ملاحظة أخيرة على مبنى مركز الملك فهد الثقافي فمع تجهيزه الحديث وإعادة ترميمه، إلا أنه ما زال محتاجا لتوفير مصاعد لذوي الاحتياجات الخاصة للدور الثاني التي لم تكن متيسرة.