فساد البحث العلمي: أخطر ما يواجه التعليم والاقتصاد

لا يمكن إنكار حقيقة وجود فساد من العيار الثقيل داخل المؤسسات البحثية العلمية يعمل على تعطيل تقدم البحث العلمي السعودي وارتفاع مستوى جودته التنافسية دوليا ويزلزل بنيته التحتية في تراكميتها النوعية

لا يمكن إنكار حقيقة وجود فساد من العيار الثقيل داخل المؤسسات البحثية العلمية يعمل على تعطيل تقدم البحث العلمي السعودي وارتفاع مستوى جودته التنافسية دوليا ويزلزل بنيته التحتية في تراكميتها النوعية

الاثنين - 03 مارس 2014

Mon - 03 Mar 2014



لا يمكن إنكار حقيقة وجود فساد من العيار الثقيل داخل المؤسسات البحثية العلمية يعمل على تعطيل تقدم البحث العلمي السعودي وارتفاع مستوى جودته التنافسية دوليا ويزلزل بنيته التحتية في تراكميتها النوعية.

وقد زادت الشفافية لولوج مشاكل هذا العالم بعد اضطراد أفواج المبتعثين في التخصصات الطبية والعلمية في أرقى مراكز البحوث والجامعات الدولية مما أدى لتنوير شريحة مهمة في المجتمع تواكبت مع التقدم في التواصل عبر الشبكة العنكبوتية والمكاشفات الشفافة لقضايا الفساد التي سنها خادم الحرمين الشريفين.

إلا أن لهذا الفساد العلمي آلياته التي تخفي حجمه الحقيقي بدءا من التزوير للوثائق وتخويف المرؤوسين وممارسة هضم حقوقهم باستغلال سلطة المنصب وحفظ شكاواهم وتضييعها حال تذمرهم أو ممارسة إيجاد «الحلول الودية» التي تستند إلى مساومات حل مشكلة المتضرر دون ردع المتسلط، مع إحكام سيطرة بعض الرؤساء على الأمور المالية المتعلقة بعلاوات المنح التشجيعية للمشاركين في العملية العلمية وحرمانهم منها بأساليب ملتوية وإعادة صرفها لمصالحهم الشخصية، وصولا إلى «تعامي» المستفيدين من الفساد في المؤسسات العلمية البحثية بالفتات ووجود «أحزاب كنبة» تؤثر راحة البال عن الإبلاغ حين الاشتباه في الفساد.

مصائب الفساد المؤسسي العلمي لا يمكن سردها في مقال ولكن أهمها يسلط الضوء على استنزاف الميزانية المالية المخصصة للبحوث.

أصبح مع عدم وجود جهة رقابية مستقلة تعمل على جرد دقيق للفواتير وتحديد طبيعة المصروفات ما عرف بتخصيص مخصصات من كل مشروع علمي قائم كنفقات يتم اجتزاؤها بطرق ملتوية لدفعها مقابل العلاقات وتجنب العراقيل! كما أن جزءا من ميزانيات البحث العلمي صارت تنفق على هدايا مشبوهة شبيهة بنظام «الشرهة» وجزء آخر للانتفاع الشخصي من خلال استغلال السلطة، يتم تخليص الاشتباه القانوني عبر تسجيل مديونيات وهمية وتدبيل الفواتير وإشراك مشاركين غير فعليين في الخطط البحثية عند رفعها وما إلى ذلك من الحيل، ومن ثم فإن هذا الفساد المؤسسي الذي يضرب منظومة التعليم العالي بالمقام الأول والفائدة الوطنية من البحث العلمي مرتبط بمصالح طمع قوية جدا بين المتنفذين كالشبكة العنكبوتية داخل المؤسسات العلمية مما يجعلهم يدافعون عنه بما يرهن استمراريته ويعلي من شأنه.

كما أن التعدي بأساليب ملتوية على المخصصات المالية مع عدم المحاسبة بدقة أديا روتينيا إلى تولد وجوه سيئة كثيرة من السلوكيات العلمية المعيبة، والتي لا يعطي ظهورها الشاذ في الأوساط الأكاديمية إلا دلالة على حضورها من تاريخ قديم للفساد لم تتم معالجته ولم يصدر بحقه تنظيم قانوني علمي يكبح جماح امتداده حتى الآن، فبدت قضايا الاستلال العلمي هي المهيمنة على المشهد طالما أنها تضمن الترقية والعلاوات المالية، وتمكن الفاسد الأكاديمي أيضا من التوسع في بانوراما الفساد العلمي البحثي لإلصاق اسمه بكل بحث تصل إليه سلطته دون اشتراك حقيقي، واستشرت شهوة الطمع لتتجاوز الأكاديميين إلى تحصل الوهميين على شهادات من جامعات وهمية ضمنت لهم دخول ساحة البحث العلمي.

الانتفاع من كل قديم بال من ترهلات الفساد العلمي البحثي يجب تغييره.

يجب استخدام حق التشهير كبوابة دخول لعنبر مرض الفساد في الوسط العلمي البحثي، ثم تحويل كل مخالفة كبيرة أو صغيرة للجهات الرقابية، مع تشكيل هيئة مالية مستقلة تجرد المقتنيات المدونة في الفواتير وتحدد طبيعتها لأنها من مال الدولة بالنهاية وتحرص تلك الهيئة على استرجاع أية رجيع يعود ريعه لصندوق ينشأ لدعم بحوث الشباب من طلبة البكالوريوس والمدارس، مع النظر في المبالغات في الأسعار والتدقيق في مخالفات إدارات المؤسسات العلمية في قواعد المنافسة ومقارنتها بسلوكيات الاستعمال غير القانوني للاعتمادات الخاصة.

لو تمت حماية ومكافأة المبلغين عن تجاوزات تلك المؤسسات، ستحصل الجهات الرقابية على وثائق مسربة ستكتشف من خلالها تجاوزات خطيرة في التسيير الإداري والمالي وستظهر معها مقدرات مالية مصروفة لجهات لا علاقة لها أبدا بالنشاط العلمي: ستظهر مصائب لا حصر لها!