سالم الكتبي

ماذا بعد قمة «بايدن - شي»؟

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

تعد القمة التي جمعت مؤخرا بين الرئيسين: الأمريكي جو بايدن والصيني شي جينبينغ، أحد أهم التطورات على الساحة العالمية خلال الآونة الأخيرة، فالقمة في حد ذاتها حدث مهم في ظل التوتر المتصاعد بين البلدين في الأشهر الأخيرة، وتحديدا منذ زيارة نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، فضلا عن أن نتائجها تمثل إضافة نوعية مهمة للحدث العالمي.

لقاء الساعات الثلاث بين بايدن وشي يعد تطورا فارقا، ولا سيما أن الرئيسين يعرفان جيدا بعضهما البعض، منذ أن كان بايدن نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، وقد حرصا خلال اللقاء على البحث عن نقاط التقاء في ملفات خلافية رئيسة، مثل الصراع التكنولوجي وتايوان وكوريا الشمالية وأزمة أوكرانيا. الخلاصة الأهم في هذا اللقاء، هي تصريح الرئيس بايدن اللافت بأنه لن تكون هناك «حرب باردة جديدة» مع الصين، في إشارة مهمة إلى تصالحية الأجواء عقب الاجتماع، وما عزز ذلك أن بايدن قال أيضا: إنه لا يعتقد أن الصين ستغزو تايوان.

لقاء الرئيسين وجها لوجه، للمرة الأولى منذ أن تولى بايدن منصبه، قد حد من التوقعات القائلة إن علاقات القوتين الأكثر تأثيرا في العالم حاليا، تتجه إلى مزيد من التدهور والصدام، ولا سيما أن مسؤولي إدارة الرئيس بايدن ظلوا طوال الفترة الماضية يؤكدون هذه الفكرة ولو ضمنا، ومن ذلك تقديرات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قبل تعيينه في منصبه الحالي، في مقال مشترك نشره بمجلة «فورين أفيرز» مع كورت كامبيل كبير مستشاري بايدن للشؤون الآسيوية، إذ أوضحا فيه أن التواصل مع الصين قد «بلغ منتهاه»، ما غذى فكرة نشوب حرب باردة جديدة.

قناعتي الشخصية منذ فترة أن فكرة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين ليست واردة، على الأقل بشكلها النمطي الذي دار بين واشنطن وموسكو خلال الحقبة السوفيتية، لأسباب واعتبارات عدة، أهمها: أنه ليس هناك معسكران بالمعنى المتعارف عليه تقليديا، فبغض النظر عن اختلاف النموذج السياسي والأيديولوجي، فإن هناك تداخلا وتشابكات هائلة على صعيد الاقتصاد العالمي، بحيث لا يمكن القول إنه يمكن للاقتصاد الأمريكي أن ينمو بمعزل عن الاقتصاد الصيني أو العكس، كما كان الحال خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق.

المؤكد في الأمر كله، أن هناك صراع نماذج ينطوي بداخله على صراع ثقافي وأيديولوجي، وبالتالي هناك منافسة بل تحد صيني متنام للنموذج والهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، ولكن يجب الانتباه إلى فارق نوعي كبير، وهو أن ساحات الصراع هنا ليست عسكرية في مجملها بل تقنية واقتصادية وعلمية، وتتداخل فيها المصالح بشكل معقد للغاية، علاوة على أن المسألة لم تعد تتعلق بنموذجين فقط، الأمريكي والصيني، فلدينا أيضا الصعود الهندي اللافت، وهو نموذج يقترب سياسيا من النموذج الأمريكي، ولكنه يمتلك خصوصية ثقافية وحضارية ومواقف سياسية واستراتيجية تجعل منه طرفا مهما في أي منافسة مستقبلية.

بلا شك، أن تصريح بايدن بشأن نفي نشوب حرب باردة جديدة هو توصيف واقعي أقرب للدقة، ليس لأن اللقاء مع الزعيم الصيني قد نجح في تقريب المواقف، ولكن لأن هناك قناعة متنامية بأن الصدام لا يصب حاليا في مصلحة أي منهما. فالولايات المتحدة ليست على استعداد لصدام عسكري أو اقتصادي مع الصين، وبكين كذلك، ليس لضعف في الطرفين بقدر ما يرتبط الأمر بتأثيرات تداخل المصالح وتعقيدها بشكل يصعب تفكيكه، أو انسلاخ طرف بمصالحه من الآخر، فنحن نتحدث عن ندين اقتصاديين بالفعل، ولديهما نقاط قوة وضعف متفاوتة، ولكن الحاصل أنه لم تعد هناك القوة العظمى المهيمنة التي تمتلك جميع عناصر القوة والنفوذ بمفردها، كما كان حال الولايات المتحدة في بدايات الألفية الجديدة على سبيل المثال.

الملف الأكثر حساسية وأكثر قدرة على إشعال فتيل الصراع الصيني - الأمريكي، هو ملف تايوان، ويبدو أن محادثات القمة الثنائية قد ركزت عليه كثيرا، وفي ذلك قال بايدن: «لقد أوضحت أننا نريد أن نرى حل القضايا عبر المضيق سلميا، ولذلك لا يجب أن نتوصل إلى ذلك (حرب). وأنا مقتنع بأنه فهم ما كنت أقوله وبدوري فهمت ما كان يقوله». وأضاف أنهما اتفقا على إنشاء آلية حيث سيكون هناك حوارات على المستويات الرئيسة للحكومة لحل القضايا. وقال إن وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكين، سيزور الصين قريبا أيضا، وأكد كذلك على أنه أوضح لشي «أن سياستنا بشأن تايوان لم تتغير على الإطلاق. إنه الموقف نفسه الذي اتخذناه بالضبط».

وبالتالي، فإن اللقاء قد نزع فكرة حصول تغير في الموقف الإستراتيجي الأمريكي بشأن تايوان، وقدم لبكين ما يرضيها في ظل تضارب مواقف المسؤولين الأمريكيين حول تايوان، وعاد الطرفان إلى الإقرار بسياسة الصين الواحدة التي تعد حجر الزاوية في علاقاتهما بعد فترة من الجدل والغموض.

بلا شك، أن ميل الولايات المتحدة لتبريد الأجواء مع الصين لم يكن انفراديا، فالرئيس الصيني تبنى الموقف نفسه، وقال في إفتتاح قمة العشرين بإندونيسيا قبيل الاجتماع مع بايدن «إننا نحتاج إلى رسم المسار الصحيح للعلاقات الصينية الأمريكية»، بالنظر إلى أن «العالم قد وصل إلى مفترق طرق»، وفي وقت لاحق من البيان الصيني، قال شي: «إن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة لا ينبغي أن تكون لعبة محصلتها صفر، حيث تنهض أنت وأسقط أنا.

الأرض الواسعة قادرة تماما على استيعاب التنمية والازدهار المشترك للصين والولايات المتحدة».

رغم كل ماسبق، لا يمكن القول إن واقع العلاقات الصينية - الأمريكية قد أصبح ورديا، فالتقلبات سمة رئيسة لهذه العلاقات، وشراسة المنافسات التجارية والاقتصادية ستبقى رغم كل شيء، وخطط الولايات المتحدة لإبطاء صعود الصين لن تتوقف، وتصدي بكين لهذه الخطط لن يتوقف كذلك، فاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لا ترى مصدر تهديد استراتيجي سوى الصين، وبالتالي من البديهي أن تركز واشنطن على محاولة عرقلة صعود الخصم الاستراتيجي الصيني، ولكن بأدوات تجارية، وفي أجواء تختلف عن كلاسيكيات الحرب الباردة القديمة.

drsalemalketbi@