خالد عمر حشوان

فن إدارة الغضب

السبت - 26 نوفمبر 2022

Sat - 26 Nov 2022

الغضب هو شعور إنساني طبيعي، وانفعال وتغير يحصل عند غليان دم القلب، لينتج عنه التشفي في الصدر مع تزايد ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم ومستويات هرمونات الأدرينالين والنورادرينالين، لتظهر آثار ذلك على تعبيرات الوجه ولغة الجسد والاستجابات الفسيولوجية، وأحيانا في الأفعال العامة من البشر، والتي تسبب فقدان القدرة على مراقبة وضبط النفس والتأثير على الصلاح النفسي والاجتماعي للإنسان.

والغضب من الأمور التي حذرنا منها النبي عليه الصلاة والسلام في كثير من الأحاديث، ومنها حديث أبي هريرة الذي قال فيه: إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال «لا تغضب» فردد مرارا قال «لا تغضب».

وهي وصية وجيزة جامعة لخصال الخير ومبعده عن الشر. وقال المناوي عن الحديث إنه ربع الإسلام، لأن الأعمال تكون خيرا أو شرا، والشر ينشأ عن شهوة أو غضب، بينما الخير يتضمن نفي الغضب فتضمن نفي الشر وهو ربع المجموع.

يشعر الإنسان بالغضب عامة في البيئة التي تحيط به، ومن ضمن هذه الأسباب كثرة الالتزامات المالية أو الشعور بالإجهاد والضغط النفسي الزائد، وخاصة في العمل أو العلاقات العائلية والاجتماعية أو التعرض للإساءة أو العنف أو التهديد أو الخوف من الخسارة أو القيادة السيئة للمركبات في الطرقات أو الإخفاق في مهمة معينة أو العوامل الوراثية عند البعض في عدم ضبط النفس، أو الاضطرابات المتنوعة كإدمان الكحول والاضطرابات العقلية والتغيرات الهرمونية والإحباط.

من الأمور التي تسهم في السيطرة وإدارة الغضب:

- الاستعاذة بالله من الشيطان، فعندما كان رجلان يستبان، وأحمر وجه أحدهما وانتفخت أوداجه من الغضب، قال عليه الصلاة والسلام، «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

- العد عند الغضب، وهي طريقة ينصح بها الخبراء النفسيون بالعد من 1 إلى 10 لعودة ضربات القلب لمعدلها الطبيعي وتقليل الشعور بالغضب، ثم معرفة سبب الغضب للهدوء والعودة الطبيعية.

- تأخير ردة الفعل وتأجيل النقاش، لأن ذلك يحمي الإنسان من التصرفات غير الجيدة أو الكلمات غير اللائقة والتي قد يندم عليها الإنسان، بل يساعده ذلك في التفكير بطريقة عقلانية لإيجاد حلول مناسبة ومقنعة للموقف.

- الاسترخاء والهدوء، يتم ذلك بأخذ نفس عميق ثم التفكير بهدوء، لأنه يساعد على الاسترخاء وتقليل الانفعال والضغط العصبي، وحبذا لو تم استخدام الابتسامة كوسيلة تخلص من الغضب بشرط ألا تكون مستفزة للطرف الآخر.

- الإنصات الجيد للطرف الآخر، وهو مهم جدا لفهم الطرف الآخر بالطريقة الصحيحة وعدم التسرع في الحكم والمقاطعة، للتأكد من الاستفزاز أو عدمه، ثم التفكير الجيد في الرد والتعامل مع الموقف حسب ما يقتضي.

- تقبل واحترام الطرف الآخر، من طبيعة الحياة اختلاف الآراء، لذلك لا بد من تقبل هذا الاختلاف واحترامه والتعايش معه وتقبل وجهات نظر الآخرين حتى لو لم تكن متوافقة مع آرائنا ولكن ليس شرطا أن نقتنع بها.

- عدم لوم الطرف الآخر وإيجاد حلول؛ لأن لوم الآخرين يزيد الشعور بالغضب، ويوهم الغاضب بأنه أمر طبيعي، لذلك الأفضل من اللوم هو التركيز في إيجاد حلول ممكنة للمشكلة وعدم تجاهلها لعدم تعقيدها وارتفاع موجة الغضب.

- مغادرة المكان للاستراحة، ونقصد بها مغادرة مكان الغضب أيا كان نوعه لنصف ساعة أو أكثر، لاستراحة قصيرة وللمساهمة في التخلص من موجة الغضب والهدوء والعودة مرة أخرى للمكان بشعور أفضل ومختلف.

- تحليل مرحلة الغضب، يتم ذلك بكتابة مذكرة عن الموقف لمعرفة الأسباب الحقيقية لحالة الغضب ومتى، وكيف حدثت؟ ثم تحليل البيانات لظهور صورة متكاملة عن الحالة ومعرفة كيفية علاجها والتعامل معها.

- التجاهل الذكي، ونعني به التجاهل بذكاء في المواقف الغاضبة، ويعتبر حلا مناسبا لتجاوز موجة الغضب العارمة والسيطرة عليها، وعدم الغرق في أبعادها وتوابعها التي لا تحمد عقباها.

- الاعتراف بالغضب، يتميز المعترف بغضبه بأنه أقل عرضة من غيره في ارتكاب أعمال عدوانية، بسبب قدرته على التحكم في المشاعر السلبية وإدراكها جيدا والسيطرة عليها، والتعامل مع الغضب ومتى يطلب المساعدة.

- التسامح وعدم حمل ضغينة، المسامحة تعلم الطرفين المحافظة على العلاقات وتزيل المشاعر السلبية بل وتعزز المشاعر الإيجابية تجاه الآخرين، يقول الله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}.

- ممارسة نشاط رياضي، يسهم النشاط الرياضي في تقليل الأرق والضغط النفسي الناتج عن الغضب، والتخلص من المشاعر السلبية، والمساعدة في إفراز هرمون السعادة وتعزيز المشاعر الإيجابية.

إن المشكلة الحقيقية ليست في الغضب نفسه، بل في كيفية إدارتنا للغضب والتعبير عنه والتعامل معه، لأن البشر يتفاوتون في ذلك، فمن الغضب ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، فالغضب في الحق والذي لا يقود لمفسدة دينية أو دنيوية هو غضب محمود، وإن كان الغضب في الباطل ولا يستطيع الإنسان التحكم فيه ويقود لمفسدة فهو مذموم.

وقد أرشدنا المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام، عن الرجل القوي في إدارته للغضب والذي يتحكم في نفسه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

HashwanO@