فهد إبراهيم المقحم

التغيير للحسنى.. لا للفوضى!

الثلاثاء - 15 نوفمبر 2022

Tue - 15 Nov 2022

التغيير طبيعة حتمية وسنة كونية؛ فالظروف من حولنا تتغير والمعطيات التي بين يدينا تتبدل، ولذا من البدهي أن ينعكس هذا التغيير على حياة الأفراد والمنظمات والمجتمعات، ومن لم يستجب لهذه التغيرات فمصيره إلى الركون وربما إلى التلاشي.

التأريخ ينبئ عن اضمحلال شركات كبرى آثرت بعد لمعانها البقاء في منطقة الجمود والراحة.

فعلى سبيل المثال شركة كوداك العملاقة، خبأ نورها بعد أن كانت متربعة على عرش صناعة الكاميرات، إلا أنها غفلت عن ثورة الكاميرات الرقمية فتأخرت في اللحاق بركب صناعتها، مما أكسب منافسيها تجاوزها وبالتالي أخذ حصتها السوقية.

إذن، لا خلاف على أهمية تعاطي التغيير استجابة للمستجدات وسعيا للتحسينات، ولكن السؤال الملح: هل من السهل أن ننجح في إدارة هذا التغيير ونحقق أهدافه؟

في دراسة استقصائية لنحو 3000 مدير تنفيذي، وجدت ماكنزي (McKinsey) أن أكثر من 60% من الجهود المبذولة في التغيير والتحول المؤسسي باءت بالفشل! في حين أن دراسة مماثلة قامت بها مجلة هارفارد بزنس ريفيو أشارت إلى فشل أكثر من 70% من جهود التغيير والتحول المبذولة من قبل المنظمات!

ارتكبت الشركة العملاقة في مجال الوجبات السريعة، ماكدونالدز، خطأ وصفه بعض المحللين بخطأ المليار دولار، حين قررت التغيير والتحول من خلال مشروع «ابتكر» (Innovate) الذي أطلقته عام 2001.

لا أحد يشكك في أهمية الابتكار ودوره في استدامة الأعمال وتطوير المنتجات والخدمات، لكن الغاية وحدها لا تكفي لنجاح رحلة التغيير، فقد ركزت الشركة على عمليات الابتكار دون النظر إلى اعتبارات أخرى مؤثرة في نجاح هذا التغيير، مثل: نطاق المشروع والجاهزية والتكاليف واحتياجات العميل.

لقد كان خطأ فادحا استنزف موارد الشركة المالية والبشرية، وأثر على قيمتها، مما ألحق الضرر بأسعار أسهمها السوقية آنذاك.

إن أردنا لطموحاتنا أن تتحقق، ونجاحاتنا أن توثق، فنحتاج بعد توفيق الله إلى دراسة متأنية وإدارة فاعلة في التغيير، والأمر يصبح أكثر إلحاحا عندما يتعلق هذا التغيير بمنظمات كبرى أو بقطاعات محورية، كالتعليم والصحة والصناعة والتجارة والخدمات، ذات الأثر البالغ على الأفراد والمجتمعات، والتغيير سلاح ذو حدين، إما أن يحقق مجدا أو يهدم صرحا.

من الوسائل الناجعة في تحقيق الإدارة الفاعلة للتغيير، الاستفادة من أحد نماذج إدارة التغيير التي أثبتت فاعليتها عبر السنوات، مثل: كوتر (Kotter’s theory)، وأدكار (ADKAR Model)، وماكينزي (McKinsey 7-S Model)، ولوين (Lewin’s Model)، وكوبلر-روس (Kübler-Ross Curve).

ولتبيان طبيعة هذه النماذج، وإسهامها في نجاح التغيير، سنتحدث هنا بإيجاز عن نموذج «أدكار».

يعد هذا النموذج هو العمود الفقري لمنهجية بروساي (Prosci) لإدارة التغيير، وقد ابتكره مؤسسها، جيفري هيات (Jeffrey Hiatt)، قبل أكثر من عقدين، بعد دراسة وتحليل لأنماط التغيير لدى أكثر من 700 منظمة.

ويستخدم هذا النموذج اليوم من قبل عشرات الآلاف من قادة التغيير حول العالم. وكلمة «أدكار» أتت من مجموع الأحرف الإنجليزية الأولى من مكونات النموذج الخمسة، وهي كالآتي:

1 - الوعي (Awareness) بضرورة التغيير والحاجة إليه الآن للتحسين أو تفادي أي مخاطر محتملة.

2 - الرغبة (Desire) في المشاركة ودعم التغيير إيمانا بأهميته وثمراته.

3 - المعرفة (Knowledge) بكيفية التغيير ومتطلباته من معطيات ومهارات وسلوكيات.

4 - القدرة (Ability) على التغيير وتجاوز التحديات المحتملة من خلال امتلاك وإتقان المهارات والسلوكيات اللازمة.

5 - التعزيز (Reinforcement) لضمان استمرارية نجاح التغيير والاستفادة من مخرجاته.

بالنظر إلى هذه المكونات يتبين لنا أن نموذج «أدكار» يسهم بشكل تصاعدي في إدارة عملية التغيير بنجاح، ويركز بشكل أساسي على تحقيق النتائج لدى الأفراد، فهم محور التغيير، وبنجاحهم في تبني التغيير وإتقان أدوارهم تنجح المنظمة بإذن الله في إدارة التغيير؛ وعلى النقيض، فغالبا ما تفشل المنظمات في إدارة التغيير بسبب مقاومة أفرادها، إما لعدم معرفة مسببات هذا التغيير، أو غياب الحوافز، أو الخوف من النتائج، أو عدم وجود خارطة طريق واضحة ومقنعة، أو الافتقار للمعرفة والمهارات والسلوكيات اللازمة، أو المشاركة العوجاء التي لا تبني حلما أو تحقق استقرارا.

إن تغيير التوجهات الاستراتيجية في المنظمة، أو إعادة بناء الهياكل الإدارية، أو إحداث تغيير جذري في اللوائح التنظيمية والتشغيلية، أو مثيلاتها من مشاريع التغيير والتحول، تحتاج إلى إدارة فاعلة في التغيير؛ فالغاية ورغبة قائد المنظمة وحدها لا تكفي، بل هناك حاجة ملحة؛ لأن تسري هذه الرغبة إلى أفراد المنظومة، خاصة حين ندرك أن 62% من العاملين لا يفضلون التغيير ويتشبثون بمنطقة الراحة، وفقا لأبحاث أشارت إليها مجلة فوربس، ثم تتحول تلك الرغبة إلى عزيمة ومعرفة بكيفية التغيير، والسعي إلى توفير الممكنات اللازمة لنجاحه وضمان استمرارية ثمراته.

moqhim@