فهد عبدالله

سيمفونية التراكم

الاثنين - 19 سبتمبر 2022

Mon - 19 Sep 2022

عندما تدخل في مسار تحقيق هدف معين من النوع الطويل الأجل، كتطوير شخصي في جانب ما أو التعلم في دراسة أكاديمية، أو العمل على مشروع استثماري وغيره من الأهداف، في كثير من الأحيان يتعلق الإنسان على مستوى التفكير والمشاعر بتلك اللحظة التي يقطف فيها تلك النتيجة، وإن كان هذا التعلق في مجمله ارتباطا وثيقا بمحصلات الأهداف إلا أنه في كثير من الأحيان يجعل الإنسان في حالة من التعب الذي يراوح المكان والركض تجاه الأهداف بدون وجود قالب المتعة والتلذذ بسيمفونية التراكم.

عشرات المشاهد تحضر أمامي وأنا أكتب هذا المقال لأشخاص فاعلين ولديهم أهداف وثيرة المعنى والشكل ولكن الحال مليء بالإرهاق والتعب فضلا عن الرمادية التي تجوب المكان فيما يتعلق بالسعادة والمتعة، والسبب بكل بساطة أن هذه الأهداف والغايات أخذت مسارها في إدراك صاحبها بأنه لا بد من ركوب الأسنة في مجال تحقيقها رغم أن اضطرارية الركوب ليست موجودة في أغلب تلك الأهداف، وتجده يردد «إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها».

أعتقد أن ربط السعادة بنتيجة لهدف طويل الأمد أو طرح التحديات في داخل النفس كنوع من الاستنزاف للطاقة تجاه تحقيق هذه الأهداف يقود بشكل مباشر إلى تلك الرمادية التي تحدثنا عنها في تحقيق المتعة والسعادة، الإشكال العظيم هنا وحسب عشرات الكتابات والإفادات والمراجعات بأن العمر قد مضى وانسرقت الأوقات ومن ثم اكتشفنا بأن التعامل النكد بهذه الطريقة مع الأهداف كان أحد أكبر الأسباب التي شطبت شيئا من معالم السعادة في دواخلنا حتى هرمنا، أحدهم يعبر: ليتني لم أضع ذلك الهدف الذي حققته بنجاح، فبرغم تحقيقي له إلا أنني تآكلت من الداخل.

ربما السؤال البديهي الذي يتبادر إلى أذهانكم الآن أنك وضعتنا أمام معضلة وألقيت صخرة عظيمة الشأن في البحيرة ولا نعرف للمعضلة حلا أو للصخرة زحزحة. في اعتقادي أن معظم تراتيب الحلول في ذلك تبدأ وتنتهي بمعرفة المشكلة نفسها وإدراكها على المستوى المعرفي والتطبيقي بأنها معضلة حقيقية غالبا ما تقلل من جذوة المتعة والسعادة أو تؤجلها إلى أجل غير معلوم، ومعرفة المشكلة في اعتقادي أنها أكثر من نصف الحل.

بعد المعرفة الإدراكية للمشكلة سيتهيأ الفكر والسلوك لقرع أبواب الحلول المختلفة للخروج من هذه المعضلة والتي جزء منها قد يعرف من خلال تجارب الآخرين وجزء منها يعتمد على اكتشاف الإحداثيات الشخصية من حيث دوافع السعادة والشقاء، وسأذكر شيئا من تجارب الآخرين المتعددة في هذا الجانب التي قد تساعد في تلذذ العزف بسيمفونية التراكم:

- استمتع بالرحلة وليس بالوجهة (Enjoy the journey, not destination) كما تحدث عنها جاكس في فلسفته عن السعادة وهي لا تجعل من أفكارك وسلوكياتك متطبعة بتأجيل الفرح والسعادة عندما تحقق الأهداف، وإنما احتفل وامرح في جميع مراحل الرحلة وعلى طول الطريق ولا تحتفل فقط عند نهاية الطريق.

- طول النفس في رسم خارطة الطريق لأهدافك والاستمتاع اللحظي في كل مرحلة تجاه التحقيق هي وصفة الفخامة إن صحت التسمية لعدة أسباب، أولها الاتزان بين الفاعلية والعمل بقاعدة هنا والآن، والأمر الثاني التماهي مع سنة الله في الكون بأن تحقيق الأهداف الكبيرة ما هو إلا تراكم جزئيات صغيرة مع الزمن، وأخيرا أدرك أن تفاصيل سعادتك أنت المسؤول عنها وليس الآخرين أو الأشياء التي تمتلكها.

- الإنسان الذي يستمتع بالرحلة والتراكم الذي يحدث فيها عندما يحقق الهدف ستجده بشكل تلقائي يرسم طرقا جديدة لتحقيق أهداف جديدة لأنه يعرف يقينا بأن السعادة تكمن في تفاصيل الرحلات المستمرة؛ فتجده لا يهدأ في صناعة الأهداف والرحلات وتفاصيل السعادة المرتبطة بها حتى يومه الأخير في هذه الحياة.

برمجة التلذذ بالتراكم والتمرحل تجاه التحديات وتحقيق الأهداف ليست وصفة سريعة التفاعل في العقل وإنما أيضا هي بحاجة لتراكم معرفي وعملي حتى تستطيع تجاوزا بأن تقول إن هذه البرمجة نضجت وأخذت مساراتها بشكل صحيح وتدفقها في أخاديد العقل والسلوكيات، لذلك كانت الإحداثيات الشخصية مدخلا مهما جدا في سبر أغوار هذا المفهوم في الفكر والسلوك.

fahdabdullahz@