بندر الزهراني

الموهوبون الصغار وزراء فوق العادة!

الأربعاء - 14 سبتمبر 2022

Wed - 14 Sep 2022

قبل سنوات برز على الساحة الرياضية الأمريكية، وتحديدا ملاعب كرة التنس للصغار، ناشئ موهوب، صغير في عمره ولكنه طموح بنشاطه ورعاية المسؤولين له وعنايتهم به، وكنت أتوقع أن أرى هذا الموهوب منافسا في بطولة أمريكا المفتوحة هذا العام، أو ربما في الأعوام القريبة القادمة، كما هي النجمة العربية المتألقة ووزيرة السعادة أنس جابر، الفائزة قبل أيام بالمركز الثاني في بطولة أمريكا المفتوحة، والثانية في التصنيف العالمي لبطلات كرة التنس، لعله من المبكر -بحكم عامل السن- أن نرى ناشئا من أبطالنا حاضرا في إحدى بطولات القراند سلام، ولكن الطموح ما يزال موجودا، والأمل يظل معقودا مهما يكن.

أحد أبناء موهبة حينما سئل من بعض زملائه عن ماذا يريد أن يكون يوما ما، أجاب أنه يطمح أن يكون وزيرا للطاقة، وقد تكون إجابته هذه بحكم الحماس والرغبة الجامحة لتطوير مجالات علوم الطاقة وجعل بلاده الأولى فيها، أو ربما أراد اكتشاف المزيد من العباقرة مثله، أو أشياء بسيطة في نفسه الطموحة أراد تحقيقها من خلال الإدارة الناجحة وقوة اتخاذ القرار، وهذا طموح مشروع وجيد، بلا شك، وقد نعذر هؤلاء المخترعين الصغار لحماسهم وطموحاتهم، ولقلة خبراتهم بالإدارة ذات الأبعاد المختلفة والتشعبات العديدة.

الوزير بطبعه وتكوينه سياسي بالدرجة الأولى، نصف عقله إدارة واقتصاد واستراتيجيات، ونصفه الآخر سياسة ودبلوماسية، ويومه ليس ملكا له، فالوزير يفرغ نفسه ويخصص جهده ووقته لخدمة ما جعل له، لا للاختراع والابتكار الكيميائي أو الفيزيائي، ولا للمعامل والأبحاث العلمية، فاينشتاين أو مدام كوري أو زويل لم يكن أحدهم وزيرا للطاقة، بل كانوا علماء وحسب، أي نعم كانوا بمرتبة وزراء للعلوم في جامعاتهم العريقة ومعاملهم العلمية وأبحاثهم القيمة وذات الأثر الإيجابي في حياة الإنسان، وكان هذا كافيا لبروزهم ودخولهم تاريخ البشرية.

طلاب وطالبات موهبة كانوا نتاج عمل وزاري ضخم، وثمرة جهود عظيمة وطموحات دولة رائدة وسباقة، تتسامى جهودها وطموحاتها مع مكانة المملكة بين الأمم، وهؤلاء الشباب العظيمة عقولهم والمتميزة أفكارهم لم يكونوا نتاج الصدفة المحضة أو الاجتهاد الشخصي، بل خضعوا لأكثر من برنامج تطويري، فمنذ أن كانوا طلابا في الصف الثالث الابتدائي وعين الدولة ووزرائها ترقبهم وترعاهم بلا كلل أو ملل، وتعمل ليل نهار على صناعتهم وصقل مواهبهم، كي يكونوا يوما ما علماء في الكيمياء والتكنولوجيا الحديثة، لا يشق لهم غبار، يعتلون كل المنصات، ويربحون كل المسابقات، وينالون كل الجوائز والأوسمة والاستحقاقات.

وأنا على ثقة ويقين من أن هؤلاء الشباب بعد انضمامهم للجامعات العالمية العريقة ستتغير طموحاتهم الشخصية من طموحات عابرة إلى طموحات علمية متخصصة، وسيكون همهم الأكبر أن يكتشفوا شيئا علميا جديدا لم يكتشفه أحد قبلهم، وسيجعلون جائزة نوبل هدفهم الأسمى، وستكون أبحاثهم العلمية سلوكا يميزهم عن غيرهم، ومحورا راكزا يرسم حياتهم العامة، وستكون طقوسهم الاجتماعية سير أعلام النبلاء في الكيمياء والفيزياء وأبحاث الطاقة، وسيدركون إذا ما عادوا يوما ما إلى بلادهم أنهم في مرتبة الوزراء تعظيما وإجلالا واحتراما.

بلا أدنى شك أن الطموحات تتبدل وتتطور مع الوقت، ليس عند الصغار فحسب، بل حتى الكبار تتطور طموحاتهم وأحيانا تضمحل، فأحد الزملاء -على سبيل المثال- كان يوما ما يطمح أن يكون رئيسا لجامعة السوربون، وكان يحلق شاربه، ويشرب الغليون، فلما ضعف بصره وشابت أصداغه أدرك أن العالمية صعبة قوية، ولم يجد بدا من التقاعد والتفرغ للحديث عن التراثيات والأطلال ومضارب العشيرة.

لو كنت مسؤولا أو مسديا نصيحة لقلت: امنحوا لقب وزير (شرفي) لكل بطل صغير، كأبطال موهبة وأبطال التنس الواعدين، وما نسيت زميل الغليون بلقب شرفي يستحقه، وعلى العموم سنظل نتابع ونراقب أخبار هؤلاء العظماء الصغار، سواء في الجامعات الأمريكية أو في ملاعب القراند سلام، أو في أي محفل كان أو ساحة رياضية، وكلي يقين بأن أحدهم يوما ما سيجبرني على الكتابة محتفيا به وبإنجازه ولو لم يكن وزيرا.

drbmaz@