مرفت عبدالجبار

بين العزلة والاجتماع!

الخميس - 01 سبتمبر 2022

Thu - 01 Sep 2022

يختزل بعض الناس صورة واحدة للحياة الطبيعية مبنية على تصورات وآراء تصل إلى حد القناعة الراسخة التي لا تقبل النقاش والرأي الآخر.

ومن تلك الصور للحياة الطبيعية أو المثالية التي يرونها؛ أن يكون الإنسان اجتماعيا من الطراز الأول في كل لحظاته ومحطاته. ولا شك أن هذا نمط حياة طبيعي لأي إنسان، لكونه اجتماعيا بطبعه.

لكنهم في المقابل يرون في العزلة شيئا آخر كالبعد عن الواقع، أو القوقعة على الذات، أو عدم محبة الشخص المنعزل للناس والأشياء، إضافة إلى وصمه بالاكتئاب والسوداوية وغيرها من أوصاف واتهامات.

كل هذا هو شيء بعيد عن رؤية الأمور بمنظورها الصحيح، فليس كل اجتماعي يعيش حياة طبيعية، وليس كل معتزل مصابا بألوان الاضطراب والمشكلات! واسألوا السوشل ميديا على سبيل المثال، لتحدثكم عن شيء من ذلك الواقع أو (الخبال) المشاهد!

العزلة حالة طبيعية ونمط حياة يختارها من يجد فيها ملاذا لانطلاقته في الحياة بتصوراته وأفكاره التي تعبر عنه، ولا يوجد ما هو أبيض أو أسود تجاه العزلة والاجتماع، فكل إنسان يسير وفق طبيعة تتواءم مع منطلقاته ورغباته وخطه في الحياة.

كما أنه لا يمكننا القول إن هناك شخصا اجتماعيا على الدوام، ولا شخصا منعزلا على الدوام، فالاجتماعي يحتاج إلى لحظات الانعزال لتصفية الذهن وإعادة التحديث لأفكاره واتجاهاته وميوله ومخططاته، ومثله المنعزل، لا بد من اجتماعه بالآخرين في المناسبات والأعمال وكسر الروتين وقضاء الأوقات الماتعة.

ولا بد من الإشارة إلى أن نظرة المغالاة التي ينظر بها المعتزل في مدحه العزلة وتفضيلها، ونبذ الاجتماع ووصمه بأنه مضيع للأوقات ومفسد للصداقات، هي نظرة تتقابل مع نظرة الاجتماعي المتطرف تجاه العزلة والمنعزلين!

والمخرج من كل هذه العشوائية والإقصائية لأي من الاتجاهين هو الاعتدال، إذ إن للاجتماع فوائده الجمة، وللانعزال فوائده كذلك، فهو بوابة الإبداع والفكر والإنتاج، وكم من رواد للفكر والثقافة تركوا مئات البصمات النافعة بما أنتجوه وخلفوه كإرث ينتفع منه الناس إلى يومنا الحالي، بسبب اختيارهم خط العزلة، والعكس بالعكس فيما يخص الاجتماع.

يقول العقاد -وهو أحد رواد العزلة- في كلمة أراها تناسب مقام تمسك الإنسان بمنطقة الراحة والإبداع الذي ينطلق منها في أي من الاتجاهين، ودون الاكتراث لرأي الاتجاه الآخر والمتطرف منه على وجه الخصوص «لا شيء يؤذي الروح أكثر من بقائها في مكان لا تنتمي إليه!».

Mjabbar 11@