فهد عبدالله

اللحظات الهاربة

الخميس - 01 سبتمبر 2022

Thu - 01 Sep 2022

من الملاحظ جدا عندما يتكون لديك كثير من الأهداف التي تنوي تحقيقها أو الهموم والتحديات المنشغل بها أو حتى فيض الأحداث الذي يمر عليك في اليوم والليلة، ستجد نفسك حتى في تلك الأوقات الهادئة المليئة بالسكون بأن العقل في حالة انشغال تام في عمليات التفكير، سواء كان فيما يتعلق بأمور حدثت في الماضي أو تتوقع وتخطط لحدوثها في المستقبل، بينما اللحظة الآنية التي تعيشها في هذه اللحظة ينالها حظ قليل من العيش معها أو التركيز والانغماس فيها.

تشعر وكأن اللحظة الحالية خسرت أغلب المعارك التي دخلت فيها مع لحظات الماضي أو المستقبل، الإشكالية فيما وراء هذه المعركة الشبه دائمة الخسارة أن الإدراك لم يأخذ شكله وقالبه الصحيح بأن مجمل الحياة ما هو إلا مجموع لحظاتها وأكثر اللحظات بهجة ومتعة وسعادة هي تلك اللحظات التي نعيشها في وقتها كما وكيفا بعيدا عن تشويش الماضي والمستقبل.

وهذا المشهد الإدراكي المتعلق بالتركيز في اللحظة والانشغال فيها عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في موضعين جميعهما متعلقان بالصلاة التي هي أكثر العبادات رمزية في مدلولات التركيز والخشوع والتركيز في اللحظة في الحديث الأول (أرحنا بها يا بلال) فالتركيز في اللحظة وعدم الانشغال بالماضي والحاضر وجه من أوجه الراحة وفي الحديث الآخر (وجعلت قرة عيني في الصلاة) كانت هذه اللحظات والعيش معها بالحضور الذهني هي مصدر الرضا والسرور والطمأنينة.

هناك لحظات بالتأكيد تمر علينا جميعا دعني أسمها باللحظات الهاربة التي يهرب فيها الإنسان بشكل واع أو لا واعي من ذلك الضجيج الذي يحدث في العقل من هدير سيول الماضي والمستقبل الجارفة مثل أن يتسنى له ممارسة موهبة ما أو الانشغال بأمر محبب لديه وغيرها من تلك اللحظات الهاربة التي تدخل شيئا من الارتياح والهدوء لدى صاحبها، هذه اللحظات تضفي في نفس صاحبها تركيزا تجاه أمر محبب وسيادة للهدوء من وكزات الماضي وإشعارات المستقبل.

في فترة سابقة كنت أتساءل عن الاهتمام الذي أراه في جانب التأمل من قبل المختصين في تطوير الذات والعلوم النفسية، وكانت لدي رغبة ملحة لمعرفة ما وراء الأكمة من أهميات حول هذا الموضوع ومع المعرفة المتراكمة وجدت أن أهم تلك الفوائد المرتبطة بالتأمل هو صمت الأفكار الذي يحدث من تلك السيول الجارفة التي تحدثنا عنها والمتعلقة بالماضي والمستقبل، فالتأمل يجعل من جميع الجهود الذهنية لديك تتجه لتأمل وتفكر في أمر آني تعيشه هنا والآن.

تنامى في داخلي ذلك المفهوم بأنه لو كانت هناك إمكانية لوجود مؤشرات سهلة القياس حول مدى سعادة وطمأنينة الإنسان لكان أكبر مؤشر في تلك المقاييس هو ما يتعلق بمدى الانغماس في اللحظة وعمل واجبها بتركيز بعيدا عن تلك المشتتات الفكرية من الماضي أو المستقبل، وأعلم مدى صعوبة وجود مثل هذه المؤشر فضلا عن طريقة قياسه والمقصود أنه كلما اتسعت مساحات يومك بالتركيز والتأمل والانغماس في اللحظة كانت تلك الطمأنينة والهدوء والمفردات المجاورة لها أيضا في اتساع.

fahdabdullahz@