مناورات العودة للاتفاق النووي
الأربعاء - 31 أغسطس 2022
Wed - 31 Aug 2022
تشهد كواليس مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران ومجموعة «5+1» سباق تصريحات لافتا للانتباه، حيث يتبارى الجانبان الأمريكي والإيراني في إثبات ونفي تقديم أي تنازلات من أجل إتمام الاتفاق.
الولايات المتحدة أعلنت على لسان جون كيربي مسؤول الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي أن واشنطن تعتبر قرار إيران بتقديم بعض التنازلات هو خطوة إيجابية في المفاوضات للعودة إلى خطة العمل الشاملة، وقال كيربي نصا «قدمت إيران بعض التنازلات، مما سمح لنا بالوصول إلى هذه المرحلة في المفاوضات حيث نحن الآن. والآن نحن أقرب مما كنا عليه قبل أسبوعين فقط، لأن إيران قررت تقديم بعض التنازلات، هذه خطوة إيجابية إلى الأمام، لكني أود أن أضيف أنه لا تزال هناك فجوات، ولم نصل إلى الهدف حتى الآن»، في الرد على ذلك بادرت طهران بنفي رسمي حول تقديم أي تنازلات من أي نوع!
الواضح في هذا الصراع الجانبي، أن كلا من واشنطن وطهران يتصارعان ليس فقط من أجل الحصول على تنازلات فعلية، بل من أجل تسويق أي صيغة سيتم التوصل إليها على أنها انتصار كبير، وهو ما يفسر حرب التصريحات والتصريحات المضادة، والنفي والإثبات حول تقديم تنازلات تفاوضية، وبين هذا وذاك يبدو الوسيط الأوروبي أكثر إلحاحا على التعجيل بتوقيع التفاهمات للسيطرة على أزمة الطاقة المتوقعة في الشتاء المقبل، أو على الأقل الحد من آثارها الضخمة المتوقعة.
قراءة مسار هذه المفاوضات تعكس قدرة إيران على إخضاع الإدارة الأمريكية الحالية لشروطها، ومثال ذلك المطلب الخاص برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة تنظيمات الإرهاب الأمريكية، والذي تم طرحه كورقة تفاوضية شغلت الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية لفترة طويلة، في حين أن المفاوض الإيراني كان يدرك منذ البداية مدى صعوبة تحقق هذا المطلب ولكنه يدرك كذلك، أن سحبه من قائمة المطالب التي يجري التفاوض بشأنها سيكون له مقابل ضخم، ويصنف كتنازل تفاوضي مهم، وهذا ما حدث بالفعل!
استطاعت طهران أن تستغل أجواء أزمة أوكرانيا جيدا، وهي تدرك حجم الضغوط النفسية والمعنوية الواقعة على الوسطاء الأوروبيين، الذين يأملون سرعة إعادة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية لتعويض جزء من نقص الطاقة الناجم عن الحرب، وتقديم رسالة إيجابية للأسواق بما يسهم في خفض الأسعار.
التسريبات الإعلامية الأمريكية تتحدث عن محفزات اقتصادية راهنت عليها الإدارة الأمريكية لجذب إيران للاتفاق مجددا، وهو ما تقدره إسرائيل بنحو مائة مليار دولار ستحصل عليها إيران سنويا عقب العودة للاتفاق، في حين يريد البيت الأبيض الفوز بالتوقيع الذي يسوق له باعتباره تأجيلا للتهديد النووي الإيراني!
المعركة الآن بانتظار قناعة كل من الطرفين، الإيراني والأمريكي، بقدرتهما على تسويق التوقيع داخليا، باعتباره انتصارا سياسيا له، فالإدارة الأمريكية تحاول تصوير الأمر باعتباره «إنجازا نوعيا كبيرا» يحسب لها ويعالج خطأ إدارة الرئيس السابق ترمب بالانسحاب من الاتفاق عام 2018، وإيران من جانبها ستعلن نجاحها في كسر إرادة الأمريكيين وإجبارهم على تقديم تنازلات ورفع العقوبات.
بلا شك أن كلا الطرفين، كانا يبحثان خلال الأشهر الأخيرة عن مخرج لحفظ ماء الوجه، فلم يكن لدى أي منهما القدرة على تحمل عواقب الفشل، فلا إدارة بايدن تمتلك استراتيجية بديلة فاعلة للتعاطي مع التهديد النووي الإيراني، ولا طهران تستطيع مواصلة تحمل آثار العقوبات القصوى الأمريكية أكثر من ذلك.
يتبقى هنا سؤال مهم هو: هل تستطيع إدارة بايدن إقناع معارضيها ومنتقديها بصيغة التفاهم المحتملة لإحياء الاتفاق النووي؟ الجواب هو لا على الأرجح، لأنه رغم الجهود الأمريكية الحثيثة لامتصاص ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة والرافضة للعودة للاتفاق بصيغته الحالية، فإن إعلان إسرائيل عدم التزامها بالاتفاق يحد من قدرة البيت الأبيض على المناورة وتسويق الأمر باعتباره إنجازا سياسيا لها. وفي ذلك يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد «إسرائيل ليست ضد أي اتفاق.. نحن ضد هذه الاتفاق لأنه سيئ.. لا يمكن قبوله كما هو مكتوب الآن»، وأردف «على الطاولة الآن صفقة سيئة.. ستعطي إيران مائة مليار دولار في السنة.. هذا المال لن يبني مدارس أو مستشفيات.. هذه مائة مليار دولار سنويا ستستخدم لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونشر الرعب في جميع أنحاء العالم»، على حد قوله. واستطرد «هذه الأموال ستمول الحرس الثوري.. سوف تمول الباسيج الذين يضطهدون الشعب الإيراني.. وستمول المزيد من الهجمات على القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وستستخدم لتقوية حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي»، وتابع «إذا تم التوقيع على صفقة، فإنها لا تلزم إسرائيل.. سنعمل على منع إيران من أن تصبح دولة نووية».
والمعضلة هنا أن إيران تقدم بنفسها الدلائل على منطقية وجهة النظر الإسرائيلية، ومثال ذلك الهجمات التي شنتها مؤخرا ميليشيا موالية لإيران على القوات الأمريكية في شرق سوريا، ما يجعل مهمة البيت الأبيض في تسويق وجهة نظره داخليا صعبة إن لم تكن مستحيلة.
إحدى الإشكاليات التي تواجه البيت الأبيض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد لا يستطيع قبول صيغة اتفاق رفضها أسلافه من رؤساء الوزراء، وفي وقت وظروف عدم الاستقرار السياسي الداخلي والتنافس الشرس الذي يسبق الانتخابات العامة المقررة أول نوفمبر المقبل، وهو التوقيت ذاته الذي يسعى بايدن لاستباقه وإنقاذ فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
الولايات المتحدة أعلنت على لسان جون كيربي مسؤول الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي أن واشنطن تعتبر قرار إيران بتقديم بعض التنازلات هو خطوة إيجابية في المفاوضات للعودة إلى خطة العمل الشاملة، وقال كيربي نصا «قدمت إيران بعض التنازلات، مما سمح لنا بالوصول إلى هذه المرحلة في المفاوضات حيث نحن الآن. والآن نحن أقرب مما كنا عليه قبل أسبوعين فقط، لأن إيران قررت تقديم بعض التنازلات، هذه خطوة إيجابية إلى الأمام، لكني أود أن أضيف أنه لا تزال هناك فجوات، ولم نصل إلى الهدف حتى الآن»، في الرد على ذلك بادرت طهران بنفي رسمي حول تقديم أي تنازلات من أي نوع!
الواضح في هذا الصراع الجانبي، أن كلا من واشنطن وطهران يتصارعان ليس فقط من أجل الحصول على تنازلات فعلية، بل من أجل تسويق أي صيغة سيتم التوصل إليها على أنها انتصار كبير، وهو ما يفسر حرب التصريحات والتصريحات المضادة، والنفي والإثبات حول تقديم تنازلات تفاوضية، وبين هذا وذاك يبدو الوسيط الأوروبي أكثر إلحاحا على التعجيل بتوقيع التفاهمات للسيطرة على أزمة الطاقة المتوقعة في الشتاء المقبل، أو على الأقل الحد من آثارها الضخمة المتوقعة.
قراءة مسار هذه المفاوضات تعكس قدرة إيران على إخضاع الإدارة الأمريكية الحالية لشروطها، ومثال ذلك المطلب الخاص برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة تنظيمات الإرهاب الأمريكية، والذي تم طرحه كورقة تفاوضية شغلت الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية لفترة طويلة، في حين أن المفاوض الإيراني كان يدرك منذ البداية مدى صعوبة تحقق هذا المطلب ولكنه يدرك كذلك، أن سحبه من قائمة المطالب التي يجري التفاوض بشأنها سيكون له مقابل ضخم، ويصنف كتنازل تفاوضي مهم، وهذا ما حدث بالفعل!
استطاعت طهران أن تستغل أجواء أزمة أوكرانيا جيدا، وهي تدرك حجم الضغوط النفسية والمعنوية الواقعة على الوسطاء الأوروبيين، الذين يأملون سرعة إعادة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية لتعويض جزء من نقص الطاقة الناجم عن الحرب، وتقديم رسالة إيجابية للأسواق بما يسهم في خفض الأسعار.
التسريبات الإعلامية الأمريكية تتحدث عن محفزات اقتصادية راهنت عليها الإدارة الأمريكية لجذب إيران للاتفاق مجددا، وهو ما تقدره إسرائيل بنحو مائة مليار دولار ستحصل عليها إيران سنويا عقب العودة للاتفاق، في حين يريد البيت الأبيض الفوز بالتوقيع الذي يسوق له باعتباره تأجيلا للتهديد النووي الإيراني!
المعركة الآن بانتظار قناعة كل من الطرفين، الإيراني والأمريكي، بقدرتهما على تسويق التوقيع داخليا، باعتباره انتصارا سياسيا له، فالإدارة الأمريكية تحاول تصوير الأمر باعتباره «إنجازا نوعيا كبيرا» يحسب لها ويعالج خطأ إدارة الرئيس السابق ترمب بالانسحاب من الاتفاق عام 2018، وإيران من جانبها ستعلن نجاحها في كسر إرادة الأمريكيين وإجبارهم على تقديم تنازلات ورفع العقوبات.
بلا شك أن كلا الطرفين، كانا يبحثان خلال الأشهر الأخيرة عن مخرج لحفظ ماء الوجه، فلم يكن لدى أي منهما القدرة على تحمل عواقب الفشل، فلا إدارة بايدن تمتلك استراتيجية بديلة فاعلة للتعاطي مع التهديد النووي الإيراني، ولا طهران تستطيع مواصلة تحمل آثار العقوبات القصوى الأمريكية أكثر من ذلك.
يتبقى هنا سؤال مهم هو: هل تستطيع إدارة بايدن إقناع معارضيها ومنتقديها بصيغة التفاهم المحتملة لإحياء الاتفاق النووي؟ الجواب هو لا على الأرجح، لأنه رغم الجهود الأمريكية الحثيثة لامتصاص ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة والرافضة للعودة للاتفاق بصيغته الحالية، فإن إعلان إسرائيل عدم التزامها بالاتفاق يحد من قدرة البيت الأبيض على المناورة وتسويق الأمر باعتباره إنجازا سياسيا لها. وفي ذلك يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد «إسرائيل ليست ضد أي اتفاق.. نحن ضد هذه الاتفاق لأنه سيئ.. لا يمكن قبوله كما هو مكتوب الآن»، وأردف «على الطاولة الآن صفقة سيئة.. ستعطي إيران مائة مليار دولار في السنة.. هذا المال لن يبني مدارس أو مستشفيات.. هذه مائة مليار دولار سنويا ستستخدم لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونشر الرعب في جميع أنحاء العالم»، على حد قوله. واستطرد «هذه الأموال ستمول الحرس الثوري.. سوف تمول الباسيج الذين يضطهدون الشعب الإيراني.. وستمول المزيد من الهجمات على القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وستستخدم لتقوية حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي»، وتابع «إذا تم التوقيع على صفقة، فإنها لا تلزم إسرائيل.. سنعمل على منع إيران من أن تصبح دولة نووية».
والمعضلة هنا أن إيران تقدم بنفسها الدلائل على منطقية وجهة النظر الإسرائيلية، ومثال ذلك الهجمات التي شنتها مؤخرا ميليشيا موالية لإيران على القوات الأمريكية في شرق سوريا، ما يجعل مهمة البيت الأبيض في تسويق وجهة نظره داخليا صعبة إن لم تكن مستحيلة.
إحدى الإشكاليات التي تواجه البيت الأبيض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد لا يستطيع قبول صيغة اتفاق رفضها أسلافه من رؤساء الوزراء، وفي وقت وظروف عدم الاستقرار السياسي الداخلي والتنافس الشرس الذي يسبق الانتخابات العامة المقررة أول نوفمبر المقبل، وهو التوقيت ذاته الذي يسعى بايدن لاستباقه وإنقاذ فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.