فيصل الشمري

اقتحام منزل ترمب

الثلاثاء - 30 أغسطس 2022

Tue - 30 Aug 2022

ما زال الرأي العام الأمريكي والعالمي يناقش ويجادل قضية اقتحام أفراد من مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة والمعروف باسم «إف بي آي» المقر الصيفي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في ولاية فلوريدا ومصادرة العديد من الوثائق التي وصفت بأنها هامة وسرية تمهيدا لإجراء تحقيق جنائي معه، وربما البدء في محاكمته قانونيا. ينبغي أولا التنويه بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي في أمريكا يضاهي في وظائفه ما يعرف في العديد من الدول بهيئة مباحث أمن الدولة.

وحسب ما ذكرته إحدى وسائل الإعلام العربية «قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب إن ضباط مكتب التحقيقات الاتحادي «إف بي آي» داهموا منزله في منتجع «مار ايه لاجو» في فلوريدا، الاثنين 8 أغسطس، فيما أقر ابنه بأنه جاء في إطار تحقيق حول نقل ترمب سجلات رئاسية رسمية من البيت الأبيض إلى منتجع في فلوريدا.

إن هذه الهجمة الأمنية على المسكن الشخصي لرئيس أمريكي سابق تبين أن أمريكا قد دخلت مرحلة سياسية في تاريخها المعاصرة تتميز بغرابة الأحداث، وتفرد المواقف، مع إقحام أمريكا والأمريكيين في ظروف سياسية ومجتمعية معقدة وصعبة.

لا شك أن هذا الإطار الأمني في التعامل مع الرئيس السابق ترمب يؤدي إلى مشاكل خطيرة داخل المجتمع الأمريكي، فهي ستوضح عيوب خطيرة في ممارسة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما ستكشف عن نواقص وسلبيات هائلة في المجتمع والسياسة في أمريكا، وسيكون لها نتائج وخيمة على محاولات أمريكا تصدير الديموقراطية وحقوق الإنسان لدول العالم.

ويمكن طرح تلك الفرضيات حول المحتوى السياسي لقضية ترمب مع هيئة المباحث في الولايات المتحدة، حتى لو احتاجت إلى براهين ما تسعى أجهزة الأمن من تحقيقه جراء اقتحام منتجع الرئيس الأمريكي الصيفي، المناقشة قد ترتبط بأحد نظريات تطبيق العدالة ألا وهي التعسف في استعمال الحق. ولا نعرف كيف يفكر الشعب الأمريكي فيما يتعلق باقتحام منزل ترمب واحتمال محاكمته.

على مدى الأعوام زاد نفوذ مكتب التحقيقات الفيدرالية في أمريكا، ويتباهى المكتب بأنه أكثر الإدارات الحكومية في أمريكا والتي تستعين بأكبر عدد من المترجمين نظرا لتنوع وزيادة أعداد المتحدثين بلغات غير الإنجليزية والذين هم من من تلاحقهم أجهزة الأمن الأمريكي.

إن العديد من أنصار دونالد ترمب سيكونون في حالة غضب شديد وربما يتظاهرون وربما يقومون بأعمال عنف وبدون شك سيكونون مثيرين للعديد من أعمال الشغب في الشارع الأمريكي.

إن تصاعد نفوذ وجاذبية اليمين الأمريكي المتطرف سيكون أمرا كارثيا بالنسبة للحياة في أمريكا، وهناك تساؤل هام: هل اقتحام منزل ترمب قضية هامة وضرورية للعدالة في أمريكا؟ وكيف علمت الـ «إف بي آي» بوجود وثائق هامة نقلها الرئيس السابق لاستراحته الخاصة؟

إن هذا قد يعني أن هناك هيئة ما كانت تقوم بالتجسس على ترمب وكانت هذه المراقبة دقيقة إلى درجة أنها كانت تعرف محتوى تلك الوثائق وما هو مكتوب فيها، ومن مراقبتي للحياة السياسية في أمريكا ولفترة طويلة أستطيع أن أجزم استحالة أن يعترف ترمب بأنه ارتكب شيئا خاطئا.

إذا كان ترمب شخص غير أخلاقي، فالسؤال هنا هو هل عدم أخلاقية سلوك السياسي عمل إجرامي؟ لماذا ترمب بالذات على الرغم من معرفة جهات الأمن بالعديد من السياسيين الفاسدين وأعمالهم المخالفة للقانون؟

كلما درست شخصية ترمب، زادت حيرتي في وصف سلوكه، لكن حتى لو كان ترمب شخصا غريب الأطوار، فإن هذا لا يبرر أي ملاحقة قانونية والتي تتطلب تفسيرات عدة.

من الواضح أن نفوذ الدولة العميقة مازال قويا في الولايات المتحدة وحكوماتها، وهذا أمر خطير لأنه يقوض دعائم الديموقراطية الأمريكية، فعلى سبيل المثال تلتزم أمريكا بمبدأ الفيدرالية والذي يعني التوزيع الجغرافي للسلطة السياسي، وإذا تم تطبيقه، فهو يعني أن حكومة ولاية كاليفورنيا مثلا قد تطبق قوانين خاصة بها تختلف عن القوانين المعمولة في كافة أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن سلوك مكتب التحقيقات الفيدرالية يوضح أن سلطات الحكومة المركزية تتخطى وتتعدى أي نوع من الحكم الذاتي الذي قد تتمتع به الولايات لأن هناك إجراءات معينة مفروضة على الولايات وينبغي الإذعان لها.

ومن الأمور السلبية أيضا هو ردود الفعل التي عقبت إجراءات اقتحام مقر ترمب الصيفي والمعروف باسم «مارا لاجو» ويتلخص هذا في تغريدة أرسلها المؤرخ الأمريكي مايكل بيشلوس والذي قال «إن احتفاظ ترمب بأوراق ووثائق حكومية خاصة بالأسلحة النووية في مكتبه الخاص يشبه قضية روزنبورج والتي أدت إلى إعدام الزوجين جوليوس وإيثيل روزينبيرح في يونيو من عام 1953م باستخدام الكرسي الكهربائي لتسريبهما أسرار القنبلة الذرية لعملاء سوفيت. فقد قال بيشلوس إن عمل ترمب هذا يمثل خيانة عظمى؛ ولذا فإن عقوبته هي الإعدام». التقط الجنرال مايكل هايدن الرئيس السابق لوكالة المخابرات الأمريكية هذه التغريدة وعلق بدوره قائلا «هذا أمر صحيح».

أنا شخصيا أرى أن هذه أمور في غاية الخطورة؛ لأنها لا تنم عن إجراءات سليمة وخطوات صحيحة لتطبيق روح ومنهج العدالة، بل تبرز محاولات التشفي وإلحاق الأذى بالآخرين بناء على دوافع شخصية بحتة، وهذا يجلب أمرا عسيرا على النظام السياسي الأمريكي. ويتلخص هذا في الاعتقاد بأن المخابرات المركزية في الولايات المتحدة «سي آي إيه» تدبر المكائد لأشخاص سواء كانوا أمريكيين أو غير أمريكيين، وبغض النظر عن ما يقومون به من أعمال، ومهما كانت أهميتها، حتى لو كانوا رؤساء جمهورية سابقين.

لا أود التوصل إلى نتائج سريعة، لكن الأمر الجلي للجميع هو أن النظام السياسي الأمريكي في مأزق، سيحاول ترمب جعل محاكمته سلسلة من المفاجآت والتي بإمكانها إحراج الديموقراطيين، وربما ينوه فريق الدفاع عنه بأن هيلاري كلينتون وباراك أوباما ضالعان في المؤامرة ضده.

mr_alshammeri@