عبدالرحمن المالكي

ليست كل ابتسامة صدقة!

الخميس - 25 أغسطس 2022

Thu - 25 Aug 2022

يختلف البشر في تكوينهم النفسي والفسيولوجي، فمن شخص لآخر تجد فروقات متباينة لأغلب الصفات المشتركة وبشكل ملحوظ، وذلك أن القدرات البشرية لا تستطيع إخفاء نواتج التأثيرات الذاتية والبيئية بسبب ما يميز تصرفاتها السلوكية التي تظهر للعلن من خلال لغة الجسد دون القدرة على السيطرة عليها أو إخفائها.

وسيكون محور البحث التالي عن الصفة المشتركة الأكثر ملاحظة وانتشارا وهي الضحك، ولأن ثمة خيطا رفيعا بين الضحك الطبيعي والمرضي، فقد قام - علماء النفس والمهتمون - بالتركيز على المرضي بتصنيفه والتركيز على مراحل تطوره وانتقال تأثيره من الجانب النفسي إلى السلوكي وصولا لنتائج هذه العملية وتأثيرها على حاملها وعلى المحيطين به، ولأن تداخل المؤثرات يحدث بشكل غير ملموس رغم وجود دلائل وإشارات من السهل تخمينها غالبا بطريقة ربط هذه المؤشرات بالمؤثرات التي تسببت في حدوثها، وذلك يُعزى لعاملين مهمين؛ عوامل داخلية وعوامل خارجية.

فأما العوامل الداخلية فهي طبيعة تكوين الشخصية الفطري من حيث كونها شخصية هادئة أو انفعالية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الشخصية الانفعالية يمكن السيطرة عليها وتغييرها بتطويعها بالتدريب المستمر، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (الحلم بالتحلم) فبإمكان الشخص الانفعالي التدرب على الهدوء؛ فممارسة تمارين اليوغا ليست إلا دليلا على قدرة الشخص على تعديل سلوكه وفق رغباته بشرط العزيمة والصبر والإصرار.

وأما العوامل الخارجية فهي جميع المؤثرات التي ليس لها علاقة بالتكوين الجيني والفسيولوجي للشخص المعني، فالضغوط النفسية الصادرة عن الخوف والقلق والحزن والألم قد تؤثر وبشكل فج على السلوك الشخصي فتجد أن الشخص المصاب بأحد هذه المؤثرات يظهر عكس ما يبطن وكمثال على ذلك؛ ضحك الإنكار وهو الضحك الذي يحدث بسبب صدمة الخوف؛ فعند إخبار شخص ما بوفاة شخص عزيز عليه قد يبتسم أو ربما يضحك وقد يضحك ويبكي في نفس اللحظة، وتحدث هذه الحالة بسبب فرط إنتاج الهرمونات المسؤولة وتداخل عملها، حيث لا يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها.

أيضا من أنواع الضحك (الضحك الهستيري) ويحدث عادة لدى الشخصيات السيكوباتية المشتهرة بالكذب والخداع والسطحية وانعدام الشعور بالخجل والمسؤولية والشعور العدائي تجاه المجتمع والبيئة، فتجد الشخص المصاب كثير الكلام كثير الضحك، فهو يضحك طيلة اليوم وفي جميع الأحوال ولأتفه الأسباب، بل قد يستغرب منه في الوقت الذي لا يرى ضاحكا، وأكثر ما يميز تلك الضحكات هو الصوت المرتفع والنبرة الثابتة المستقرة، وهذا يدل على وجود المعاناة الداخلية بسبب الضغوط النفسية الناتجة عن مجموعة من التأثيرات البيئية المزمنة.

وهذه طريقة انفعالية سلوكية يعبر بها الجسد - بلغته الخاصة - عن محاولة الشخص إخفاء الحقيقة مظهرا خلاف ما يبطن ليتجاهل معاناته وألمه، وبسبب هذا التناقض يحدث تصادم وشقاق داخلي بين ألمه الحقيقي وفرحه الزائف، ومن هنا تحدث المشكة وقد تتفاقم إلى ما لا تحمد عواقبه ما لم يستطيع التخلص من هذه الضغوط وتجنب مصادرها، وهذه الشخصية يجب التعامل معها بحذر وذلك لما قد يبدر منها من انفعالات عاطفية قد تؤثر على المحيطين بها؛ لأنها قد ترى فيهم ما يزيد من خوفها ويعمق ألمها فتعمد على تجسيد ذلك الخوف والألم في من حولهم، الشيء الذي قد يوصلهم إلى مرحلة من العداء المباشر والتصادم المستمر، ونتاج هذه التناقضات هي سرعة انهيار تلك الشخصية وفقدان السيطرة.

وسرعان ما يتحول الضحك الهستيري إلى بكاء مرير وانهيار عاطفي قد يسبب معضلة نفسية يصعب علاجها خاصة عندما تبدأ هذه الشخصية في حصد الخسائر الناتجة عن تلك الانفعالات.