شاهر النهاري

«ترند» العصور السابقة واللاحقة

الخميس - 25 أغسطس 2022

Thu - 25 Aug 2022

وهو مسمى عصري للموضوعات الساخنة، التي تجتمع عليها أعداد من البشرية، لسانا وأذنا وعينا بإشهار يؤازره تأييد أو رفض.

أشهر شعراء سالف العصور كان لديهم ما يشابه الترند الحالي، بانتشار أبطأ، فيبدع أحدهم القصيدة، صياغة ووزنا ومعاني ومغازي، لتجتذب آذان من يسمعونها، ثم لا يعود رنينها يخرج من حدود جماجمهم، إلا بدفعها لأسماع الغير.

كذلك كانت تنتشر مقولات الأنبياء والحكماء، والقادة.

وبما يشبه العدوى، تنتقل بين الركبان والمجالس حتى تبلغ الحواضر والأطراف، ويسهر الناس جراها، ويختصموا حول جودتها وعمق معانيها، والقائل مزهو بأصدائها تزيد من شهرته، وترفع من مكانته.

وعلى نطاق آخر كان أصحاب الحس الحسين، ينغمون الكلمات على وتر وناي ومزهر بمجمع طربي، لترتحل الترانيم ببطء وحيرة، فمبدع الأغنية يمتلك الحس، وخامة الصوت، وخبرته بالمقامات، عكس من يتناقلونها، ويشوهونها بأصواتهم، وكم يحدث الخلل في فنيات النقل، ما يعاظم الاختصام حول الجودة والشهرة.

وباختراع المذياع تجمع الناس حوله شغفا، بحدوث نقلة نوعية في شفافية النقل وسرعته، ووجد القائل كلماته تسافر عبر الأثير، وتبلغ أبعادا، لم يكن الصوت يحلم ببلوغها، فيعانق المغني معاني السحر، مترنما أمام الميكرفون، وتذيع نغماته بسرعة بساط الريح، يعجب بها من يعجب، ويثور المعترض، ويشعل السمار بنشوتها ليلهم، يتدارسون جودتها، وعيوبها.

شهرة سماعية شاعت مع المذياع لكثير من المشاهير والحكائين والمنظرين، ورجال دين بلغوا بمواعظهم كل مريد، ورواة تاريخ حكوا، وسياسيين ألهبوا مشاعر الجماهير بحماس كلماتهم، محبة ترن في آذان المتوافقين معها، وغضبا بأسماع الكارهين.

ومع قفزة البث التلفزيوني، اتسعت رقعة الانتقال، ونسبة التأثير، بالصوت وصفاء الصورة والملامح والانفعالات والحركات الظاهرة المؤثرة، مؤكدة سخونة الانتشار، وخلق المعجبين، أو الرافضين، يناقشون، وينتقدون، بينما تتحقق الشهرة لمن قال وأبدع.

وعجبا حدثت خلاصة قفزات تقنية القرون مجملة خيالات وأمنيات الأساطير الإنسانية من خلال اختراع عوالم الإنترنت وتطبيقاتها، فينتقل معها العمل بكامل دقائقه، وأيا كانت جودته أو رداءته، ليجد المشاهير الآلاف والملايين من المتابعين، وتصبح الأعمال الإبداعية، من شعر وغناء ومقولات سياسية وفنون تشيع بالتواصل، وبجنون ترند، يلهب رغبات المشهور في البقاء بالأسماع والأعين، ويتمثل هدفا غاليا مرجوا لكل مريد شهرة، وكل مشتر للتأييد، وكل من يحسن صناعة الإبداع، مع حقيقة اختلاط الأوراق واحتراقها، حين جمع الترند الحالي التناقض والتزوير، والإساءات مدفوعة الثمن، وأصبح عامل إشهار وترد، ونشر غسيل وتشويه وتلميع لما لا إبداع فيه، ولا ذرة حياء، فلقطة تعر تصنع ترند، وكلمات استهبال ومسخرة يرددها مختل تلهب الترند، وكل مريض ومسخ يمكنه أن يصبح بؤرة سخونة ولو طارئة مؤقتة لحوار ملايين الخلق، يستعيدون أعماله، ويتجادلون في أمره سواء على مواقع التواصل، أو في الحياة العامة، وقطعان تبارك وأخرى تؤيد وتختلف، وقطعان تحفظ وتقلد أفعاله، مهما هزلت، ومهما خرجت عن حدود الأخلاق والمنطق.

الترند قطار قذيفة مستقبلية سريع ملهب لمحطات الشهرة، وكنز للحظ والثراء، ما جعله هدفا لكثير من الأفراد والشركات وحتى الحكومات.وسؤال يدور، فما هي يا ترى الخطوة القادمة للترند، إن عشنا وحضرناها؟

أتخيل شخصيا أن يتم تجسيد إشهار الترند بتحقق رائحة ولمسات ومداعبة المشاهير، وفي المقابل تجرع مرارة بصق وجوه المكروهين، وأوجاع كيل اللطمات واللكمات لوجوههم!؟