عبدالحليم البراك

الموت قبل الموت!

الاثنين - 15 أغسطس 2022

Mon - 15 Aug 2022

تبدو فكرة الموت أمرا مرعبا للإنسان، ليس لأنه يخاف لما بعد الموت، بل لسبب بسيط هو أنها تجربة جديدة وغامضة بالنسبة له، ويخاف أن يخوض غمارها دون أن يعرف ما سيواجه. والمؤمنون في كل الأديان السماوية، برغم قناعتهم بأن ما سيجدون بعد الموت هو النعيم المقيم الذي لا يزول، إلا أنهم يخافون من الموت أيضا.

أما غير المؤمنين بالأديان السماوية، ومن يرون أن الموت هو فناء ونهاية أبدية، هم أيضا يخافون من الموت برغم القناعة المضادة للمؤمنين.والذي يظهر أن الخوف من الموت نزعة فطرية، وكما يرى «هيدجر» بأن الموت ليس قضية وجودية محضة بل هو تجربة إنسانية فردية، والإنسان يرى الموت كل يوم ابتداء من يوم الولادة وحتى يوم الموت نفسه، لأنه مهدد بالموت في كل لحظة، فكأنما يسير للموت أو أن الموت يسير إليه دوما، بل إن الإنسان يأكل ويشرب حتى لا يموت ويقاتل من أجل أهدافه من أجل أن يدفع عنه شبح الموت، بل يتوقع الموت في كل لحظة تحت مسمى «موت الفجأة».

أما الفيلسوف «إميل سيوران» فيرى أن الموت ليس مرعبا بل الولادة مرعبة لأنها هي بداية الموت الحقيقة ومن هذه الفكرة خرجت «مثالب الولادة لسيوران» لأن المأزق هو في الولادة وليس في الموت!.

أما الشاعر العربي محمود درويش فيقرر أن الموت يؤذي الأحياء ولا يؤذي الموتى! والناس يحترمون الموتى أكثر من الأحياء فيقول: «يريدون أن أموت لكي يمدحونني!».

ومهما يكن من أمر، فإن الإنسان في حقيقته يموت قبل الموت عدة مرات، خاصة عندما يأخذ وضعا تجاهليا للموت، فهو يموت من الألم الذي يؤذيه قبل الموت الذي لا يؤذيه أصلا، أو يموت من الإحباط في الحياة برغم أن الموت عالم مجهول لا نعرف هل فيه لحظات إحباط أم لا، أو يموت من سيطرة الخوف عليه قبل الموت.

وبعد وقوع الموت ليس ثمة خوف من شيء وقع وانتهى، أو يموت في انتظار الموت أحيانا إن لم يتصالح مع قدره وحياته، فيصبح الموت انتظارا للموت، أما الموت الأكثر إيلاما والتباسا فهو أن ترى الموت يتسلل لمن تحب الحياة له!

مفهوم الموت المقلق ليس في مغادرة الحياة، بل في استشراف المستقبل المجهول لحياة أخرى تنتظره، أو فقدان هذه الحياة، بينما لو طال عمر إنسان واحد بين أحياء يموتون مبكرا لتمنى الموت، واللحاق بأصدقائه لأن هذا الجيل الجديد لا يناسبه، وتبدو فكرة الموت وحديث الموت مسيطرا عليه وعلى لسانه! ولعل هذا أصعب من الموت نفسه «أن تتمنى الموت ولا تجده» بل كما يقول الكواكبي: «الخوف من الموت موت، والهروب من التعب تعب، والتعب نفسه نهاية التعب!»

الموت قبل الموت هو الفهم الخاطئ للحياة، وهو أن تضع شيئا في غير موضعه، فوقت الحياة هو العمل والنشاط والفرح والتغيير والأمل والمواجهة، أما وقت الموت فهو يعني النهاية.

ولعل أصعب قرار يتخذه الإنسان هو أن يفكر بالنهاية وهو غير مستعد لها أصلا، لذلك جاءت فكرة الانتحار مستهجنة لدى الإنسان لأنه يستعجل الموت رغم قدرته على الحياة أو على الأقل رغم أنه لم يحن الوقت المناسب لموته، وفق توقيت الإنسانية، فتصبح فكرة الانتحار فكرة مستهجنة مهما حاول أنصارها تلطيفها إلا إذا كانت مصالحة مع الموت أصلا وليست هروبا من الحياة.

@Halemalbaarrak