عبدالله العولقي

شتاء أوروبا والخيارات الصعبة

الأحد - 14 أغسطس 2022

Sun - 14 Aug 2022

يبدو أن الأوروبيين أمام خيارين صعبين، إما أن يعيدوا حساباتهم مع الكرملين ويرضخوا لواقع الغاز الروسي ومجال الحلول السياسية والتي ستقتضي إلى رفع العقوبات الغربية عن موسكو مقابل عودة ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا لمواجهة الشتاء القادم، وإما استمرارية التعاون مع البيت الأبيض وتصعيد الأزمة مع الكرملين لمواجهة المجهول مع شتاء أوروبا القارس!!

في خضم هذه الأزمة، يوجه بعض الكتاب الأوروبيين اللوم للاتحاد الأوروبي، وتحديدا لحكومتي باريس وبرلين بسبب استعجالهم اللامدروس بالتحول نحو الطاقة النظيفة أو الطاقة الخضراء والتي تعتمد بشكل رئيس على الغاز الروسي، الأمر الذي جعل أوروبا كلها حسب رأيهم مرهونة للكرملين، فهذا الاستعجال الغريب كما يرى أصحاب هذه الرؤية هو السبب الرئيس في أزمة الطاقة الحالية.

كما هو معروف، تعتبر دولة ألمانيا واجهة أوروبا اقتصاديا وسياسيا، فهي الدولة الأغنى في أوروبا، ويعتبرها الأوروبيون الداعم الرئيس والمنقذ لهم وقت الأزمات الاقتصادية العاصفة، لكنها اليوم في فوهة المدفع، فهي المتضرر الأكبر من أزمة الغاز الروسي، وليس لديها حلول ناجعة لمواجهة الأزمة الصعبة سوى إغلاق المصانع الأكثر استهلاكا للطاقة، وهذه الخطوة يعتبرها الاقتصاديون كارثة على أوروبا كلها كونها ستزيد من معدلات البطالة وستبطئ النمو الاقتصادي، وسيصبح الاقتصاد الألماني مصاب بثنائية الركود المصاحب للتضخم، وللقارئ الكريم أن يتخيل انعكاسات الاقتصاد الألماني على أوروبا والعالم!!

ليس لوسائل الإعلام الأوروبية حديث ذو شجون غير أزمة الطاقة الحالية ومخاوف الشتاء القادم، وبدأ البعض يروج لما يسمى باقتصاد الحرب، وهذا يعني التضحية بالرفاهية التي تعودت عليها أوروبا خلال العقود الماضية مقابل التكيف مع الأوضاع الراهنة والتلاؤم مع نتائج أزمة الطاقة الحالية، وكتب بعض الكتاب الألمان عن أزمة الأخلاق التي يمارسها الروس ضدهم، بينما رد الروس بأن حلول الأزمة بيدي الأوروبيين أنفسهم، فالحل بكل بساطة هو رفع العقوبات الاقتصادية عن موسكو.

من الحكمة أن يرضخ الأوروبيون لسياسة العقل والواقع برفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا مقابل تدفق الغاز الروسي الرخيص إلى منازلهم ومصانعهم، بيد أن هذه الرؤية تصطدم بحاجزين صعبين، وهما الضغوطات الأمريكية عبر حلف الناتو والتي تهدف من خلال الأزمة الحالية إلى استنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا، والحاجز الآخر هو ثقافة التاريخ؛ فتاريخ العلاقة بين الروس والأوروبيين يعج بصراعات ثقافية حادة، يفسرها البعض بصراع الشرق والغرب، والرضوخ الأوروبي من أجل الغاز الروسي سيقيد انتصارا تاريخيا للروس وهذا ما لا يريده الأوروبيون على الإطلاق، ومن هنا جاء عنوان المقال.. شتاء أوروبا والخيارات الصعبة.

@albakry1814